مقتل شاب مصري في غارة إسرائيلية مُحتملة بمصر.. على السلطات المصرية التحقيق في الواقعة والتوقف عن سياسة التعتيم الإعلامي في سيناء
لندن - 24 ديسمبر 2024
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم إن شابا مصريا قد قُتل في شمال شرق سيناء ظهر يوم السبت 21 ديسمبر 2024 نتيجة غارة جوية نفذتها على الأرجح طائرة حربية إسرائيلية من طراز F-16I Sufa وسط تعتيم السلطات المصرية على الحادثة.
حصلت المؤسسة على لقطات مصورة و أجرت مقابلات مع أربعة من شهود العيان، تشير كلها إلى أن الطائرة الحربية الإسرائيلية نفذت الغارة الجوية داخل الحدود المصرية في منطقة العجراء جنوب مدينة رفح، على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من الحدود المصرية الإسرائيلية، حيث شوهدت الطائرة بينما تتبع مسيّرة أطلقتها - على الأرجح - قوات الحوثيين اليمنية. أصاب الصاروخ الذي أطلقته الطائرة الحربية الإسرائيلية باتجاه المسيرة سيارة الشاب، جهاد يوسف أبو عقله، ويبلغ من العمر 18 عامًا، وحول جسده إلى أشلاء. جرى دفن أبو عقله دون تحقيق أو إعلان رسمي مصري، ودون إصدار شهادة وفاة في محاولة للتعتيم الحكومي على الواقعة.
تظهر المواد مصورة وأحاديث الشهود أن طائرتين مسيرتين حلقتا فوق منطقتي البرث والعجراء جنوب رفح في حدود الساعة الثانية ظهر يوم السبت أعقب ذلك وصول طائرة حربية. قال شهود العيان أن الطائرة الحربية و المسيرتين كانوا يحلقون على ارتفاع منخفض، وبينما نجحت الطائرة في إسقاط مسيرة بالقرب من قرية البرث جنوب رفح، أخطأت هدفها في الهجوم الذي استهدف مسيرة أخرى حلقت فوق منطقة العجراء، وأصابت سيارة الضحية.
تحدثت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان مع خبير عسكري متخصص في الطيران الحربي، والذي أكد في مقابلة مع المؤسسة أن الطائرة المنفذة للهجوم تابعة لجيش الدفاع الاسرائيلي وليست مصرية، استنادًا إلى عدة معطيات فنية. حيث أشار إلى أن طائرات F-16I Sufa بتمويهها الصحراوي المميز الذي يُستخدم لتلائم بيئة العمليات في المناطق الصحراوية، مما يجعلها أقل وضوحًا عند الطيران على ارتفاعات منخفضة. يتكون هذا التمويه عادة من ألوان البيج والبني الفاتح، وهو تصميم خاص بسلاح الجو الإسرائيلي وغير مستخدم في القوات الجوية المصرية، وهو نفس التمويه الذي ظهر على الطائرة في الصور التي حصلت عليها المؤسسة. وأضاف أن هذا النوع من الطائرات يعد من بين الأكثر تطورًا، حيث يتمتع بقدرات هجومية متقدمة وأنظمة استهداف دقيقة تجعلها واحدة من الأدوات الرئيسية لسلاح الجو الإسرائيلي في العمليات الهجومية والدفاعية، حيث أن طائرة F-16I Sufa هي نسخة معدلة من الطائرة الأمريكية F-16، ومصممة خصيصًا لتلبية احتياجات إسرائيل، مزودة برادار AN/APG-68 المتطور، والذي يتيح للطائرة تتبع أهداف متعددة في ظروف بيئية مختلفة وتحتوي على نظام ملاحي متقدم، وأجهزة استشعار للتهرب من الصواريخ. أكد الخبير أن الطائرة التي تظهر في الصور التي حصلت عليها المؤسسة مزودة بخزانات وقود خارجية مميزة تُعرف باسم Conformal Fuel Tanks (CFTs)، وهو أحد أهم التعديلات التي تميز F-16I Sufa ليناسب العمليات طويلة المدى التي يجريها سلاح الجو الإسرائيلي.
كما التقت المؤسسة مع أحد أقارب الضحية والذي قال أن جهاد كان يقود سيارته في منطقة العجراء بالقرب من مضارب قبيلة الترابين التي ينتمي إليها في طريقه لزيارة عائلية، قبل أن يسقط صاروخ من طائرة اسرائيلية فوق سيارته ليموت في الحال. وأضاف: "بعد مقتل جهاد بدقائق غادرت الطائرة التي كنّا نراها بالعين المجردة وعبرت الحدود تجاه اسرائيل." وقال: "جمعنا أشلاء جهاد بصعوبة بالغة ودفناه بدون تصريح دفن أو محضر رسمي. قمنا بإبلاغ الجيش المصري بما حدث، حضرت قوة من الجيش وضباط من المخابرات الحربية إلى موقع الحادث ثم انصرفوا." وأضاف أن العائلة تلقت تشديدات من الضباط بعدم الحديث عن الموضوع للإعلام وبضرورة التكتم على الواقعة.
روايات شهود العيان من سكان سيناء على خروقات القوات الإسرائيلية للحدود المصرية بشكل متكرر ليست جديدة. فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023 شهدت المنطقة نشاطا عسكريا إسرائيليا أدى في بعض الأحوال لسقوط مصابين وقتلى. في 22 أكتوبر 2023، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن دبابة تابعة لهم أصابت موقعا مصريا بالقرب من الحدود عن طريق الخطأ، ونجم عن ذلك إصابة عناصر من الجيش المصري في أحد أبراج المراقبة.. كما أسقطت طائرة اسرائيلية مسيرة يمنية بالقرب من مدينة نويبع جنوب سيناء في 22 أكتوبر 2023. وفي 27 مايو 2024 فتح جنود إسرائيليون النار على عناصر من الجيش المصري مما أدى لمصرع جندي على الأقل.
قالت مؤسسة سيناء إن حادث مقتل أبو عقله هو حلقة في سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية، تنبع من العجرفة المعتادة لقوات الجيش الإسرائيلي التي تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان وقوانين الحرب في قطاع غزة منذ ما يزيد عن العام بلا حساب، ارتكبت خلالها القوات الإسرائيلية جرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وقطعت المساعدات الإنسانية عن الوصول لمئات الآلاف من السكان. وإنه كان من الطبيعي ألا تحقق إسرائيل في جريمة قتل مدني مصري في الأراضي المصرية على خلفية الحرب الدائرة، فإنه ينبغي على السلطات المصرية أن تفتح تحقيقا شفافا ومستقلا، مع التأكيد على حق المواطنين في معرفة الحقيقة من خلال إعلان نتائج التحقيق والإجراءات المتخذة لحماية المدنيين ومنع تكرار تلك الحوادث.