
بيع وتسليم وحدات سكنية في رفح الجديدة مؤشر إيجابي لا ينبغي أن يحرف الأنظار عن أن التعويض العادل للمهجرين قسرا لا يزال غائبا
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم إن السلطات المصرية قامت - بعد تأخير استمر لعدة سنوات - ببيع وتسليم عقود عددا محدودا من الوحدات السكنية للمهجّرين من أبناء مدينة رفح في شمال سيناء يوم 21 يناير 2025، في خطوة إيجابية، لكنها لا ترقى إلى مستوى التعويض الحقيقي أو الجبر الكامل للضرر الذي لحق بالسكان الذين تم تهجيرهم على مدار عقد من الحرب التي انتهت ضد تنظيم داعش.
وخلال احتفال نظمته المحافظة في مدينة رفح، ربط اللواء خالد مجاور في حديثه بين توقيت الاحتفال وتسليم عقود الوحدات للسكان وتوقيت سريان اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، قائلا إنها رسالة "لمن ادعوا أن مدينة رفح هي لغير المصريين." تشيد مؤسسة سيناء بتصريحات اللواء مجاور، خاصة أنها تأتي بعد تعرض مصر لضغوطات واسعة من أجل استقبال لاجئين فلسطينيين بشكل دائم.
قال أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:
إن تسليم وحدات سكنية في رفح الجديدة بعد تأخير دام سنوات عديدة، وكذلك حديث المحافظ أثناء الافتتاح، هي رسائل طمأنة إيجابية للسيناويين والمصريين بشكل عام بأن أراضي سيناء هي لسكانها الأصليين، لكن هذه الخطوة الإيجابية لا ينبغي أن تحرف الأنظار عن أن التعويض العادل للكثير من المهجرين قسريا من أبناء سيناء لازال غائبا.
كان ديوان محافظة شمال سيناء بدءًا من 25 إبريل حتى 8 يونيو 2024، قد فتح باب التقدم لشغل 656 وحدة سكنية في 41 عمارة ، بمساحة 120 متر مربع لكل وحدة، وقالت السلطات إن ذلك جزء من المرحلة الأولى من مدينة رفح الجديدة، التي تشمل 272 عمارة سكنية. كما أعلنت أنه تم تخصيص 80% من الوحدات لعموم أهالي مدينة رفح والعاملين بها شريطة أن يكونوا دائمي الإقامة برفح قبل عام 2014. وكشف عن أن سعر الوحدة السكنية فى رفح يتراوح بين 571 ألف جنيه، و 926 ألف جنيه للوحدة السكنية. في أكتوبر 2024، كشفت محافظة شمال سيناء عن أسماء 411 من السكان الذين تم الموافقة على طلبات للحصول على وحدات سكنية في رفح الجديدة، بعد إجراء "قرعة"، وكذلك الحصول على موافقات من قبل الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء والجهات المعنية".
أعلنت الحكومة عن رفح الجديدة لأول مرة في 2015 في وجه الانتقادات المتصاعدة بعد قرار إنشاء "منطقة عازلة" على حدود مصر مع قطاع غزة وإسرائيل، شملت هدم كامل مدينة رفح، بعد التهجير والإخلاء القسري لسكانها، زاعمة أنه سيتم تسكين المهجرين في تلك المدينة الجديدة. حيث أصدر مجلس الوزراء القرار 2021 لسنة 2015 (عدد 13 أغسطس 2015 من الجريدة الرسمية) بتخصيص نحو 535 فدان لبناء رفح الجديدة. لكن لم يتم وضع حجر الأساس للمشروع إلا في 2018. واعترف الرئيس السيسي في تصريحاته آنذاك بتأخر العمل في المدينة بسبب الظروف الأمنية. وتكثف الحديث الحكومي الرسمي من خلال كبار المسؤولين في الحكومة والجيش، وكذلك الإعلامي غير الرسمي، عن هذا المشروع خلال السنوات الماضية بشكل يوحي وكأنه هو الحل السحري للمهجرين، لكن هذا الاهتمام والتسويق الإعلامي يتناقض جذريا مع ما حدث بعد ذلك، حيث تحولت مدينة رفح الجديدة، إلى مسألة استثمارية وليست للتعويض كما ادعى المسؤولون في البداية. كما تتناقض تلك التصريحات الإعلامية مع حجم الإنجاز على الأرض، حيث أن ماتم إنجازه فعليا بشكل نهائي حتى الآن هو ما يقارب نصف المرحلة الأولى من المشروع بعدد 41 عمارة سكنية وان 43 عمارة ما زالت في مراحلها النهائية، وذلك برغم إن الحرب على تنظيم داعش قد انتهت فعليا منذ 2022.
وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المنشورة في عام 2017 فإن عدد سكان مدينة رفح – والتي هدمت بشكل كامل تقريبا – كان نحو 75537 نسمة، وعدد الأسر كان 16770 أسرة. بالتالي بعد مرور 6 سنوات من إعلان الحكومة عن الشروع في إنشاء رفح الجديدة فإن حجم الاستيعاب المتوقع للسكان المهجرين قسراً من رفح داخل المدينة الجديدة لن يتعدى 9% من إجمالي الأسر.
تعددت التقارير الحقوقية الموثوقة التي أصدرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وكذلك هيومن رايتس ووتش، في السنوات الماضية، والذي قدمت الأدلة الدامغة والشهادات على أن الآلاف من أبناء سيناء المهجرين لم يحصلوا على تعويضات والكثير منهم حصل على تعويضات غير كافية. مما يقوض التزامات مصر بموجب القوانين الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي تنص على أنه حتى وإن كان تهجير السكان ضروري لغاية أمنية، وكملاذٍ أخير، فإنه ينبغي أن يكون مؤقتا وينبغي أن يحصل السكان على التعويضات والسكن اللائق البديل قبل عملية التهجير. يعزز العسف بكل تلك القوانين من النظر لرفح الجديدة كمشروعات استثمارية، تهدف الدولة للتربح منها، وليست تعويضات تقدم للسيناويين الذين أنهكتهم حرب طالت منذ 2013 وقضت على مصادر دخل الآلاف منهم. ويتناقض ذلك بشدة مع تصريحات الرئيس السيسي عن تلك المشروعات والتي يذكرها في سياق الحديث عن البدائل السكنية المقدمة للسيناويين. فعلى سبيل المثال وفي خطاب ألقاه في أكتوبر 2019 ورفض فيه الاعتراف بالتهجير القسري قائلا: "احنا فعلاً اخلينا الناس لكن احنا مضيعناش الناس وبنبني أماكن مدن كاملة رفح الجديدة بقوله تعالى هنا خش، ونبني تاني وتالت ورابع، والمجتمعات البدوية اللي احنا بنعملها اللي قربت تخلص جاهزه انكم تدخلوا وتقعدوا فيها، 26 تجمع منهم 14 في جنوب سيناء و12 في شمال سيناء، التجمع عبارة عن آبار مياه وأراضي زراعية وبيوت مبنية بالطريقة اللي اهالينا في سيناء يحبوا يعيشوا فيها."
كما يتناقض أداء الحكومة في تنفيذ التصميم المعماري لمشروع رفح الجديدة مع ما اعتاده أهل سيناء، وخاصة مناطق رفح والشيخ زويد، من السكن في بيوت تضم العائلة الممتدة في وحدات منفصلة ويحطيها (حوش) أو مزارع. الحفاظ على عادات وثقافة السكان هي أيضا ضمن الشروط التي يشترطها القانون الدولي لأي عمليات للتهجير القسري. وكانت دراسة أعدها المجلس التخصصي لتنمية المجتمع، بتكليف من رئيس الجمهورية وفقاً للبيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية في نوفمبر 2014، قد توصلت خلال فحصها لآليات تنفيذ مشروع إنشاء مدينة "رفح الجديدة" كمجتمع عمراني متكامل يحقق التنمية المستدامة لأهالي مدينة رفح، إلى نتائج منها طرح مقترح لإنشاء مجتمع عمراني متكامل وحديث في شمال سيناء، يُراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتراث الثقافي لأهالي مدينة رفح.
إلا أن ما هو معروف عن المشروع من خلال صور الأقمار الصناعية و الفيديوهات الحصرية التي نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان سابقا، فإن أعمال الإنشاءات تظهر أن الأبراج السكنية المرتفعة ذات الوحدات (الشقق) الصغيرة نسبيا تمثل نسبة 96% من إجمالي المشروع بينما تمثل البيوت البدوية نسبة 4% فقط، الأمر الذي يعتبر تجاهلا شديداً للهوية الثقافية للمجتمع المحلي وعاداته وتقاليده ويعكس عدم تبني الحكومة لإجراء حوار مجتمعي جاد مع السكان المحليين.
على السلطات المصرية أن تفهم فداحة ما قامت به في لجوئها لخيار تهجير السكان قسراً وهدم منازلهم وتجريف مزارعهم والقضاء على مصادر رزقهم بدعوى مكافحة الإرهاب، بالإضافة لتقصيرها الواضح في تعزيز فرص النازحين في إيجاد فرص حياة جديدة في مناطق نزوحهم، وعدم تعويضهم بشكل لائق مادياً ومعنوياً. يحتم القانون الدولي عودة الأهالي المهجرين لأراضيهم فور أن تسمح الظروف بذلك. كما أنه على السلطات أن تقدم التعويضات المادية والمعنوية مقدما وليس بعد سنوات من التهجير. كما أن الأرض لابد أن يتم تعويضها بأرض مماثلة أو أفضل منها وليس فقط بالمال. كما أن القانون الدولي واضح في النص على أن التعويضات ينبغي أن تشمل كل الخسائر المادية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية التي تحملها الأهالي بسبب التهجير.
تطرح الممارسات الحكومية في خطواتها البطيئة والناقصة لمعالجة قضية المهجرين وتعويضاتهم سؤالا تأسيسيا حول ما إذا كانت الحكومة تهدف من خلال بناء مدن وتجمعات سكنية جديدة في سيناء الى علاج أخطاء الماضي وجبر ضرر السكان المحليين أم إلى بناء مشاريع ذات أغراض استثمارية. وبرغم انتهاء الحرب على تنظيم داعش في ٢٠٢٢، لم تصدر الحكومة في أي وقت أي معلومات حول الإطار الزمني لعودة النازحين إلى منازلهم أو ما إذا كانت قد وضعت خططا بهذا الخصوص.
تجدد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان دعوتها للسلطات المصرية تشكيل لجنة مستقلة بصلاحيات كاملة تشرف على عملية حصر ومراجعة شاملة لأوضاع النازحين والمهجرين من سكان سيناء، وتشمل قضاة ونشطاء مستقلين وممثلين عن أهالي شمال سيناء، وذلك لبحث ملف التعويضات بشكل كامل وشفاف، ودعوة أهالي سيناء المهجرين لتقديم اعتراضات ومن ثم التدقيق في تلك الاعتراضات والتأكد من أن كافة المهجرين حصلوا على تعويضات كافية ومجزية تؤهلهم لحياة كريمة. على أن تشمل تلك التعويضات المنازل، والمزارع والمصالح التجارية كافة. وينبغي الإسراع بتقديم التعويضات أولا لمن لم يحصلوا على أي تعويض مسبق، كما ينبغي أن تكون لنفس الفئة أولوية في الحصول على سكن بديل سواء في مدينة رفح الجديدة أو غير ذلك، وينبغي أن يحصلوا على السكن البديل مجانا، أو بمقابل عادل يتم تقسيطه بشكل مُيسر في حال إن سعر الشقة أعلى من التعويض الذي ينبغي أن تحصل عليه العائلة، وذلك بالأخذ في الاعتبار قيمة الجنيه المصري والأسعار في ٢٠١٤ و٢٠١٥ حين تمت أغلب عمليات التهجير بالمقارنة بالتضخم الغير مسبوق خلال السنوات العشر الماضية.
قال سالم:
على الحكومة المصرية التوقف عن الانتفاع المشين بمعاناة سكان سيناء من خلال بيع وحدات سكنية لهم بأسعار باهظة وتقديم الوحدات السكنية في مدينة رفح الجديدة كجزء من عملية تعويض شاملة وعادلة وشفافة طال انتظارها خلال عقد كامل من التشريد والمعاناة.
للمزيد من المعلومات:
أعرب الكثير من سكان سيناء الذين تحدثت معهم مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان عن ألمهم ومخاوفهم من أن الوحدات السكنية الجديدة ستؤول فقط للقادرين ماديا، وأن سكان من خارج رفح بل وربما من خارج سيناء قد يحصلوا على شقق في رفح الجديدة بينما لازال المهجرين بلا مأوى لائق. وهذه بعض الشهادات التي سبق للمؤسسة نشرها:
يقول إبراهيم، أحد المهجرين من مدينة رفح:
أنا اترميت أنا وعيالي في الشارع حرفيا، والفلوس اللي كنت شايلها للزمن صرفتها كلها على ايجار البيت اللي سكنت فيه وتعليم العيال، بعد ما بيتي انهدت ومزرعة الخوخ اللي كانت مصدر رزقنا في منطقة أبو حلو الجيش جرفها ومعوضنيش جنيه عليها وهي شقى عمري. حتى التعويض اللي أخدته عن بيتي اللي هدموه أخذته بعد 4 سنين من هدمه وطبعا قيمة الجنيه في 2014 غير قيمة الجنيه في 2018 وقت ما استلمت تعويضي غير قيمة الجنيه في 2024 وهما بيقولوا لي مبروك اتفضل اشتري شقة بمليون جنيه عشان ترجع رفح! طيب الحكومة والرئيس قعدوا سنين يقولوا رفح الجديدة بنبنيها عشان نرجع المهجرين وفي الآخر طلعت مشروع الحكومة بتبنيه عشان تبيعه لي أو لأي حد في مصر يقدر يدفع المليون جنيه.
الحكومة أساسا ما اعطتنيش حتى تعويض عادل مقابل بيتي اللي هدموه اللي يخليني ادفع بس مقدم شقة في رفح الجديدة، انا كان عندي بيتين في رفح، واحد في حي أبو حلو والثاني في الماسورة، مجلس المدينة قالوا لي هتصرف تعويض قيمة بيت واحد فقط، كأن الفلوس اللي بنيت بيها البيت التاني مش فلوسي، يعني هو البيت اتبني لوحدة ما اللي تعب في الأول صرف وتعب في التاني.
رغم التعويض المجحف في حقنا، انا بطالب أن الدولة تراجع قيمة التعويضات. أنا ابني وبنتي لو تعبوا اوقات مش بيكون معايا اجيب دواء، في ظل غلاء الأسعار. هل من المنطق أن بديل الحكومة للعودة لرفح مرة ثانية في الظروف اللي بنعيشها دي يكون شقة ثمنها مليون جنيه، وأنا آخذ تعويض 800 جنيه لكل متر مربع في بيتي اللي هدموه، أجيب فلوس اشتري بيها شقة في رفح الجديدة من وين ؟.
تحدث ياسر (اسم مستعار) من سكان قرية الماسورة برفح مع فريق المؤسسة حول عدم إقباله على شراء وحدة سكنية بمدينة رفح الجديدة:
احنا مش بنسكن في شقق ومش هنسكن في شقة قد علبة الكبريت بمليون جنيه. أرضنا احلي ارض في الكون والعالم كله أنا عايزها ؟ جايب لنا مستثمرين ليه؟ يا باشا شوف المستثمرين دول هيعملوا ايه وكلفنا بيه ومن غير فلوس وإحنا هنخلي الارض جنه، ده مبارك الله يرحمه كان بيصرف لكل شاب 15 ألف جنيه في خطة تعمير سيناء علشان يبني بيت، كل ده بيتهدم في ثانيه! الحكومة بتقول لنا البيت بيتك والارض ارض الحكومه، هو في حد بيبني في أرض الحكومة ؟ طيب الورق اللي وقعنا عليه أيام مبارك كان بيقول أن الأرض اللي يتبني عليها بيت تتملك لصاحب البيت.
احنا عاداتنا كبدوي ما بنعرف نعيش في شقق بيفصل بيني وبين جاري حائط، انا عمري لا انا ولا اخواتي نسكن في شقق ولا نعرف نعيش حياة المدينة . للحين والدتي ست كبيرة مش مدركة زي الاول، في الشتاء تقول حلفتك يا رب ما يدخل علينا صيف الا واحنا في بيتنا وفي الصيف تقول حلفتك يارب ما نشتي الا في بيتنا.
انا مش عايز تعويض، ولو فلوس الدنيا كلها هختار ارضي وبيتي، بعد خمسين سنه الناس هتنسى، ولما نبقى محتلين أو يجي مستثمر أجنبي ياخدها هيقولوا السيناوية باعوا أرضهم زي ما بيقولوا الفلسطينية باعوا أرضهم، وانا محبش التاريخ يكتب عني بعت ارضي لو كل الناس باعت، انا هسيبها بصمة للاجيال الجاية جدكم ما فرط في أرضه لحين ما مات.
الكلمات المفتاحية
مقالات متعلقة


مصر: المحاكمات العسكرية لصيادي السمك إهانة للعدالة
