img
بيان صحفي: سيناء لحقوق الإنسان تكشف في تقرير مطوّل انتهاكات حقوقية جسيمة لأطراف النزاع في سيناء المصرية

التقرير متوفر بـEnglish​​​​​​​

لندن- كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته اليوم الخميس عن توسع رقعة الانتهاكات الحقوقية في سيناء لتتفشى في مناطق كانت مستقرة نسبيا قبل سنتين كبئر العبد التي رصدت فيها المؤسسة وقوع 69 انتهاكاً تليها الشيخ زويد بواقع 49 انتهاكاً، وكذلك توسع الانتهاكات ضد النساء وخاصة الاعتقال التعسفي لهن. ووفقاً لما وثقته المؤسسة فإن طرفي النزاع، قوات إنفاذ القانون المصرية متمثلة في الجيش والشرطة، وتنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، قد تقاسما ارتكاب الانتهاكات التي ترقى في بعضها إلى مصاف جرائم الحرب.

وفي تقريرها السنوي الأول الذي يغطي فترة عامي 2019 و 2020 الذي صدر من 65 صفحة وحمل عنوان "ودّنا نعيــش"، كشفت المؤسسة عن الواقع القاتم لحقوق الإنسان في شمال سيناء التي لا يُسمح للمنظمات الحقوقية بالدخول إليها ويقيّد على نحو كبير عمل الصحافة فيها. وثّق فريق المؤسسة في الفترة التي يغطيها التقرير مقتل 112 مدني، منهم 25 طفلاً و22 سيدة، وإصابة 134 آخرين منهم 36 طفلاً على يد طرفي النزاع، مثل هؤلاء الضحايا جزء من حصيلة القتلى والمصابين الذين تمكنّا من توثيقه، كما أجرت المؤسسة مقابلات مع 212 شخصاً من شهود العيان وذوي الضحايا والسكان المحليين.

قال أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:

”يبيّن سجل الانتهاكات التي وثقها التقرير اتفاقاً غير مكتوب بين طرفي النزاع على عدم احترام حقوق الإنسان، أو الاكتراث لحياة وكرامة أهالي سيناء، وهو ما أدى إلى تحوّل مساحات واسعة من شمال سيناء إلى بيئة طاردة للحياة تتفشى فيها الإساءات والاعتداءات بحق المدنيين“.

وثق التقرير وقوع هجمات جوية بواسطة الجيش المصري أفضت إلى 5 مجازر دموية قتل فيها 30 مواطناً وأصيب 22 آخرين، لم تعترف السلطات منذ بداية العمليات العسكرية في سيناء بسقوط ضحايا مدنيين برصاص القوات الحكومية، حصلت المؤسسة على فيديو يوثق اعترافاً غير مسبوق من قبل السلطات الحكومية متمثلة في محافظ شمال سيناء، وهو يقر أمام ذوي الضحايا بأن قصف جوياً عن طريق الخطأ  استهدف منزلاً يعود لعائلة الخلفات في قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد، بتاريخ 27 مايو 2019، بينما حصلت المؤسسة على وثائق طبية رسمية تفيد بأن ضحايا ذلك الحادث قُتلوا بسبب قصف مجهول المصدر كما جرت العادة في تنصل السلطات من تبعات أعمالها العسكرية عندما تصيب المدنيين.

كما سجّل التقرير قيام الجيش المصري في حوادث عدة بقصف وتدمير أعيان مدنية بشكل متعمد وعمليات تهجير قسري لمدنيين وإطلاق نار عشوائي صدر من كمائن عسكرية وإعدامات خارج النطاق القضاء.

من جانب آخر، فقد وثّق التقرير قيام تنظيم ولاية سيناء بارتكاب انتهاكات حقوقية قائمة على الهوية الدينية، إذ مارس تجاه المسيحيين والصوفيين أنماطاً ممنهجة من الانتهاكات إضافة إلى قيامه باختطاف وإعدام العديد من السكان المحليين الذين لم ينخرطوا في الأعمال المسلحة تحت مزاعم تتعلق بمساندتهم للحكومة. 

كما وثقت المؤسسة خلال الفترة التي يغطيها التقرير مقتل 22 مدنيا من بينهم 10 نساء و7 أطفال وإصابة 23 آخرين بسبب العبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش لاستهداف القوات الحكومية. شهدت قرى جنوب غرب بئر العبد الفصل الدموي الأبرز، بسبب سقوط ضحايا من المدنيين العائدين إلى قراهم في بئر العبد عقب نزوحهم بعد أن سيطر عليها مسلحو داعش في تاريخ 21 يوليو 2020، حيث قتل جراءها 16 شخصا ، وأصيب 18 آخرين خلال 14 يوم. ويعكس ذلك أيضا فشل القوات الحكومية في تطهير المنطقة من الألغام واللامبالاة بحياة المدنيين الذين رغبوا في العودة لبيوتهم وقراهم.

تعتبر مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ما يجري في سيناء من عمليات عسكرية هي حالة نزاع مسلح غير دولي. ولذا تنطبق على هذا النزاع قوانين الحرب أو ما يسمى بالقانون الدولي الإنساني، حيث طال أمد المواجهة المسلحة بين الطرفين، وارتفعت حدتها إلى درجة استدعت استخدام القوات العسكرية بما في ذلك الطائرات الحربية، والدبابات والمدفعية، وأسلحة المشاة والبحرية وغيرها، مما يتعدى الحدود النمطية لعمليات إنفاذ القانون. وقد سقط خلال العمليات الممتدة منذ نهاية عام 2013 الآلاف من القتلى والمصابين في صفوف المدنيين والقوات الحكومية والجماعات المسلحة. وكلا الطرفين المنخرطين في النزاع لديهما مستوى واضح من التنظيم يجعل العمليات الصادرة عنهما ذات إطار تنظيمي محدد. لم ينجح تنظيم ولاية سيناء في السيطرة على أي أراضٍ بشكل كامل، لكن هناك مناطق يمتلك فيها نفوذا كبيراً جعل السكان الذين كانوا يعيشون في تلك المناطق تحت سطوة وسيطرة التنظيم والدولة في ذات الوقت.

توصلت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إلى أن الممارسات التي ارتكبها أطراف النزاع أفضت إلى سحق الحقوق الأساسية للمدنيين، بعض هذه الممارسات بات كسلوك اعتاد أطراف النزاع فعله.

راجعت مؤسسة سيناء جميع البيانات الرسمية الصادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية فيما يتعلق بشمال سيناء، حيث نشرت وزارة الداخلية 21 بيانا بإجمالي عدد قتلى بلغ 158 شخصا، بينما نشرت وزارة الدفاع 12 بيانا بإجمالي قتلى 548 شخصا، حيث أشارت جميع البيانات أن القتلى كانوا مسلحين قتلوا في اشتباكات مع القوات الحكومية. وجدت المؤسسة أدلة دامغة على قيام السلطات الحكومية بتقديم معلومات مزيّفة ضمن ثلاثة بيانات رسمية نشرها المتحدثين باسم وزارتي الدفاع والداخلية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول مدى مصداقية هذه البيانات.

كما تابع فريق المؤسسة عشرات حالات الاعتقال التعسفي غير القانوني من قبل السلطات تجاه المدنيين، بعضهم جرى اعتقاله لأشهر طويلة دون توجيه تهم رسمية وخارج أي عملية قضائية، وبعضهم الآخر قضى مدداً طويلة في السجون لإرغام أحد أقاربه لتسليم نفسه للسلطات، ومن بين هؤلاء نساء مع أطفالهن. قالت سيدة اعتقلت لأربعة أشهر لفريق المؤسسة عمّا شاهدته إبان فترة احتجازها في أحد أقسام الشرطة بمدينة العريش:

”كل النساء اللي جوة معتقلين عشان فيه حد مطلوب للأمن من أسرتهم، مفيش قانون في العالم بيحاكم ناس ملهاش ذنب مكان ناس والاصعب لما يبقى الشخص المطلوب ده أصلاً معتقل عند جهاز أمني تاني وهما مش عارفين“.

شهدت فترة التقرير إطلاق السكان المحليين لمناشدات وتدشين وسوم على مواقع التواصل الاجتماعي طالبوا فيها بإيقاف إطلاقات الرصاص العشوائي الذي تطلقه كمائن الشرطة والجيش بشكل كثيف دون وجود أي اشتباكات في محيط المكان أو أي أهداف عسكرية محتملة وإنما بشكل روتيني بهدف تأمين محيط المكان والتثبت من عدم وجود تهديد عليهم، وثقت المؤسسة بعض الحالات التي وجهت فيها الكمائن إطلاقات نارية مميتة تجاه أهداف مدنية لا تشكل في سلوكها أو بمظهرها أي تهديد عسكري، حيث وثق فريق المؤسسة مقتل 26 شخصا وإصابة 33 آخرين نتيجة رصاص عشوائي صدر من كمائن عسكرية وأمنية.

خلال المدة التي يغطيها التقرير، لم تتوقف عمليات التهجير القسري وتدمير الأعيان المدنية في معظم مناطق شمال سيناء، إلا أن أقلّها جرى في رفح ويعود سبب ذلك لأنها شبه خالية من السكان بعد أن تعرض أهلها  للتهجير والإخلاء القسري بشكل شبه كامل، بعد صدور قرار رسمي بإنشاء المنطقة العازلة في أكتوبر 2014 على الحدود مع قطاع غزة، إلا أن حملات الجيش لهدم المنازل الخالية من السكان داخل رفح كانت متسارعة جداً خلال فترة البحث، استطاع فريق المؤسسة الحصول على فيديوهات حصرية توثق عمليات تفجير المنازل خارج المنطقة العازلة في عدة مناطق غرب مدينة رفح وشمال الشيخ زويد شملت قرى السكادرة الوفاق والمطلة والحسينات والخرافين.

وثقّت مؤسسة سيناء توسعاً في رقعة الهجمات التي يقوم بها تنظيم ولاية سيناء تجاه المدنيين، وسجلت عمليات إعدام وقتل للمدنيين بتهم من بينها التعاون مع الجيش والقوات الأمنية، كما وثقنا تنفيذ التنظيم لعمليات قتل خارج القانون لمدنيين يعملون في مشاريع تابعة للجيش كما حدث في هجوم للتنظيم بتاريخ 22 يونيو 2019 على عمال مدنيين أثناء عملهم في تشييد سور حول مطار العريش أدى لمقتل خمسة منهم.

كما سجلّنا عشرات حالات الاختطاف التي طالت مواطنين غير مقاتلين خلال الفترة التي يغطيها التقرير، وتركزت معظمها في بئر العبد والشيخ زويد والعريش. يشترك هؤلاء المختطفون بأنهم مدنيون غير منخرطين بالنزاع ولم يتخلوا عن صفتهم كمدنيين التي تقرها القوانين الناظمة للنزاعات. وقد لاحظ فريق المؤسسة نمطاً متكرراً يجري مع حالات الاختطاف، إذ يتجاهل فيها التنظيم الإشارة إليها عبر إعلامه الرسمي، ثم يقوم لاحقاً بإطلاق سراح المختطفين بعد أيام من إخفائهم قسريا والتحقيق معهم. في بعض الحالات استخدم التنظيم أساليب تعذيب نفسية وجسدية من أجل انتزاع المعلومات.

رصد التقرير أيضا تسليم بعض المسلحين أنفسهم بعد مبادرات شبه سرية جرت مع الجيش عبر وجهاء بعض القبائل الذين يحاولون إقناع أبناء قبائلهم المنخرطين في صفوف التنظيم للتخلي عن السلاح حيث يجري التحقيق معهم بعد نقلهم لمقرات أمنية. لم تتمكن المؤسسة من التوصل لمعلومات مؤكدة عن أماكن احتجاز أو إقامة هؤلاء الذين يسلمون أنفسهم وعما إذا كانت هناك أي عملية تحقيق للتأكد من عدم تورطهم في انتهاكات جسيمة لا ينبغي العفو عنها، لكن المتحدث العسكري باسم الجيش نشر في تاريخ 9 مارس 2021 مقطع فيديو يظهر تسليم عناصر مسلحة لأنفسهم عند أحد الحواجز العسكرية شرقي سيناء.

قال سالم:

”ينبغي محاسبة تنظيم داعش على انتهاكاته الفظيعة، وقد ارتكب أفعالاً ترقى لتكون جرائم حرب بحق السكان المحليين، بينها جرائم لا تسقط بالتقادم، ويتوجب ملاحقة مرتكبيها قضائياً وتقديمهم للقضاء“. 



الكلمات المفتاحية