img
"عودة مُلَغّمَة".. التقرير السنوي للانتهاكات الحقوقية في سيناء 2021

​​​​​​​التقرير متوفر بـEnglish​​​​​​​​

​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​لندن- كشفت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته اليوم الاثنين عن استمرار تدهور الأوضاع الحقوقية في مدن شمال سيناء، حازت مدينة بئر العبد النصيب الأكبر منها بواقع 35 انتهاكاً تليها الشيخ زويد بواقع 24 انتهاكاً، وكذلك توسع الانتهاكات ضد النساء وخاصة الاعتقال التعسفي لهن. ووفقاً لما وثقته المؤسسة فإن طرفي النزاع، قوات إنفاذ القانون المصرية متمثلة في الجيش والشرطة، وتنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، قد تقاسما ارتكاب الانتهاكات التي ترقى في بعضها إلى مصاف جرائم الحرب.

 

توصلت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إلى أن الممارسات التي ارتكبها أطراف النزاع أفضت إلى سحق الحقوق الأساسية للمدنيين، بعض هذه الممارسات بات كسلوك اعتاد أطراف النزاع فعله.

 

وفي تقريرها السنوي الذي يغطي الفترة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2021 الذي صدر من 72 صفحة وحمل عنوان "عودة مُلَغّمَة"، كشفت المؤسسة عن الواقع القاتم لحقوق الإنسان في شمال سيناء التي لا يُسمح للمنظمات الحقوقية بالدخول إليها ويقيّد على نحو كبير عمل الصحافة فيها. وثّق فريق المؤسسة في الفترة التي يغطيها التقرير مقتل 32 مدني، منهم 7 أطفال و3 سيدات، وإصابة 17 آخرين منهم 4 أطفال على يد طرفي النزاع، مثل هؤلاء الضحايا جزء من حصيلة القتلى والمصابين الذين تمكنّا من توثيقه، كما أجرت المؤسسة مقابلات مع 107 شخصاً من شهود العيان وذوي الضحايا والسكان المحليين.

قال أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:

يبيّن سجل الانتهاكات التي وثقها التقرير اتفاقاً غير مكتوب بين طرفي النزاع على عدم احترام حقوق الإنسان، أو الاكتراث لحياة وكرامة أهالي سيناء، وهو ما أدى إلى تحوّل مساحات واسعة من شمال سيناء إلى بيئة طاردة للحياة تتفشى فيها الإساءات والاعتداءات بحق المدنيين“.

شهدت فترة التقرير مقتل 6 أشخاص من بينهم طفل وسيدة في عمليات قتل غير قانونية محتملة كنتيجة لإطلاق الرصاص من كمائن الشرطة والجيش بشكل كثيف كإجراء روتيني تعمد إليه القوات الحكومية بهدف تأمين محيط المكان والتثبت من عدم وجود تهديد عليهم  دون وجود أي أهداف عسكرية محتملة أو نتيجة إطلاق الرصاص بشكل مباشر ومميت في الغالب دون توجيه إنذار مسبق، أو اتباع أي قواعد لإطلاق النيران تجاه المدنيين وسياراتهم التي لم تشكل في سلوكها أو بمظهرها أي تهديد عسكري.

وثق التقرير وقوع هجمات بقذائف مدفعية عشوائية بواسطة الجيش المصري أفضت إلى مقتل سيدة وإصابة مدنيين اثنين آخرين. لم تعترف السلطات منذ بداية العمليات العسكرية في سيناء بسقوط ضحايا مدنيين بنيران القوات الحكومية، بينما حصلت المؤسسة على وثائق طبية رسمية تفيد بأن ضحايا تلك الحوادث قُتلوا أو أصيبوا بسبب قصف مجهول المصدر كما جرت العادة في تنصل السلطات من تبعات أعمالها العسكرية عندما تصيب المدنيين.

 

كما وثقت المؤسسة خلال الفترة التي يغطيها التقرير مقتل 10 مدنيين من بينهم 4 أطفال وإصابة 11 آخرين من بينهم 4 أطفال بسبب العبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش لاستهداف القوات الحكومية. حازت مدينة بئر العبد النصيب الأكبر من هذه الانتهاكات يليها مدينة الشيخ زويد، بسبب سقوط ضحايا من المدنيين العائدين إلى منطقة تفاحة في بئر العبد وبعض مناطق جنوب الشيخ زويد عقب نزوحهم بعد أن سيطر عليها مسلحو داعش. ويعكس ذلك فشلا مستمرا للقوات الحكومية في تطهير المنطقة من الألغام واللامبالاة بحياة المدنيين الذين رغبوا في العودة لبيوتهم وقراهم.

 

قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في تقارير سابقة إن الوضع في شمال سيناء يرقى إلى النزاع المسلح غير الدولي، حيث ارتأت المؤسسة، ومنظمات دولية أخرى من بينها هيومن رايتس ووتش، إن شروط النزاع المسلح كما وردت في اتفاقيات جنيف وتفسيراتها قد توافرت بشكل واضح من حيث شدة النزاع وامتداده لسنوات ووجود تركيب هرمي وقيادي واضح في تنظيم داعش. ورغم إن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان – كما ورد في مقدمة هذا التقرير – ترى انخفاضا ملحوظا لحدة الصراع منذ 2020 إلا أن هذا التقرير لازال يعتمد في منهجيته وتقسيمه على رصد الانتهاكات التي ارتكبها كل من القوات المسلحة والشرطة والمليشيات المتعاونة معهما، ومن ناحية أخرى الانتهاكات التي ارتكبها مسلحو ولاية سيناء. 

 

ومع استمرار منع الجيش الصحفيين والمراقبين المستقلين من دخول سيناء، وصعوبة حصول المعلومات على الأرض فإنه من الصعب الوصول إلى استنتاج نهائي وقاطع بخصوص ما إذا كانت حالة النزاع المسلح كـ توصيف قانوني قد انتفت تماما، إلا أن الواضح بالتأكيد إنها آخذة في الاتجاه إلى ذلك من حيث انخفاض حدة الهجمات وافتقاد تنظيم داعش للتماسك الهرمي.

راجعت مؤسسة سيناء جميع البيانات الرسمية الصادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية فيما يتعلق بشمال سيناء ولاحظت انخفاضا ملموسا طرأ على عدد البيانات الصحفية الصادرة من وزارتي الدفاع والداخلية الخاصة بعمليات مكافحة الإرهاب في سيناء وكذلك أعداد قتلى المسلحين التي تتضمنها خلال عام 2021 مقارنة بالأعوام السابقة. خلال عام 2021 نشرت وزارة الداخلية عدد (1) بيان صحفي بإجمالي عدد قتلى بلغ (3) أشخاص، بينما نشرت وزارة الدفاع (2) بيان صحفي بإجمالي عدد قتلى بلغ (102) شخصا.

في حين أشارت جميع البيانات أن القتلى كانوا مسلحين قتلوا في اشتباكات مع القوات الحكومية. وجدت المؤسسة أدلة دامغة على واقعة قتل بدم بارد جرى تصويرها وعرضها كإنجاز عسكري في بيان رسمي، كما وثق في تقارير سابقة وجود معلومات ملفقة وردت في بيانات رسمية عدة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول مدى مصداقية هذه البيانات.


كما تابع فريق المؤسسة عشرات حالات الاعتقال التعسفي غير القانوني من قبل السلطات تجاه المدنيين، بعضهم جرى اعتقاله لأشهر طويلة دون توجيه تهم رسمية وخارج أي عملية قضائية، وبعضهم الآخر قضى مدداً طويلة في السجون لإرغام أحد أقاربه لتسليم نفسه للسلطات، ومن بين هؤلاء أطفال قاصرين ونساء مع أطفالهن. قالت سيدة جرى اعتقالها وتعذيبها لفريق المؤسسة عمّا كابدته بسبب صلة قرابتها مع أحد عناصر التنظيم، إبان فترة احتجازها في أحد أقسام الشرطة بمدينة العريش:

أخدوني معاهم القسم، والضابط فضل يضرب فيّا جامد بالأقلام على وشي و يقولي انا عايز أترقى، اديني معلومات عن قرايبك“.

رصد الفريق القانوني بالمؤسسة خلال فترة التقرير وقوع عدد من الانتهاكات، يمكن معها وصف المحاكمات بأنها تفتقر لمعايير المحاكمة العادلة، كان من بينها ظهور محتجزين أمام القضاء كانوا في عِداد المختفين قسرياً لمدد زمنية مختلفة لدى أجهزة الأمن، بعض هؤلاء المختفين احتجزتهم السلطات الأمنية وأخفتهم قسريا بعد حصولهم على قرارات رسمية بالإفراج عنهم، بعدما تجاوزوا المدة القانونية القصوى للحبس الاحتياطي والمقررة قانونا بعامين. كما سجلت المؤسسة جملة من الانتهاكات للحقوق التي أقرها القانون لصالح الأطفال دون الثامنة عشر.

 

إضافة إلى ذلك وثقت المؤسسة خلال التقرير استمرار احتجاز الأشخاص المقبوض عليهم دون إذن من السلطات القضائية المختصة، في أماكن احتجاز غير رسمية وغير خاضعة للرقابة القضائية. كما سجلت عشرات الحالات رفضت فيها السلطات الأمنية إطلاق سراح أشخاص بعد صدور قرارات بإخلاء سبيلهم وإعادة اتهامهم فى قضايا جديدة تتحد في موضوعها مع القضايا السابقة التي جرى إخلاء سبيلهم منها. كما رصد الفريق استمرار الأوضاع السيئة غير الانسانية للمحتجزين على قضايا ارهاب من شمال سيناء، وثقت المؤسسة وفاة أحد المحتجزين خلال فترة التقرير بسبب الإهمال الطبي داخل السجن. 

 

شهد نهاية عام 2021 سماح السلطات الأمنية بعودة المدنيين النازحين الى ثلاث قرى تابعة لمدينة الشيخ زويد بعد سنوات من نزوحهم القسري بسبب العمليات العسكرية، وعلى الرغم من أن عودة بعض الأهالي لمناطقهم بعد سنوات من النزوح تمثل حالة نجاح للسلطات الأمنية إلا أن الحكومة المصرية عجزت حتى وقت نشر التقرير عن توفير مقومات الحياة الأساسية للسكان المحليين، كما أظهرت العودة تقصيرا ملحوظا في تطهير هذه المناطق المحررة من مخلفات الحرب والعبوات الناسفة التي حصدت أرواح المدنيين.

 

ليس ذلك فحسب، بل إنه وخلال عام 2021 استمرت الحكومة المصرية في تدشين مرحلة جديدة لسياستها القائمة على تهجير السكان تحت حجج ومبررات مختلفة، حيث أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار رقم 465 لسنة 2021، بتحديد ما يناهز 542 فدان من الأراضي في مدينة العريش، كأراضي من أعمال المنفعة العامة، تابعة للقوات المسلحة، ما يعني عمليا ابتلاع المزيد من أراضي المنطقة وتهجير وشيك لقرابة 20,000 نسمة.

كما رصدت مؤسسة سيناء استمرار التنظيم في توسيع رقعة هجماته تجاه المدنيين، حيث سجلت المؤسسة 15 عملية إعدام وقتل لمدنيين بتهم من بينها التعاون مع الجيش والقوات الأمنية أو العمل في مشاريع اقتصادية تابعة للجيش، من بينهم سيدة غير منخرطة بالنزاع قتلت بجوار زوجها المتهم لدى التنظيم بالتعاون مع الجيش وكذلك مقاول مدني يعمل في أحد المشاريع الإنشائية في رفح.

 

كما سجلّنا عشرات حالات الاختطاف التي طالت مواطنين غير مقاتلين خلال الفترة التي يغطيها التقرير، وتركزت معظمها في بئر العبد والشيخ زويد. يشترك هؤلاء المختطفون بأنهم مدنيون غير منخرطين بالنزاع ولم يتخلوا عن صفتهم كمدنيين التي تقرها القوانين الناظمة للنزاعات. وقد لاحظ فريق المؤسسة نمطاً متكرراً من حالات الاختطاف بهدف الحصول على فدية مالية من أسرة المختطف. كما وثقت المؤسسة العديد من حالات الاختطاف الجماعي، يتجاهل فيها التنظيم الإشارة إليها عبر إعلامه الرسمي، ثم يقوم لاحقاً بإطلاق سراح المختطفين بعد أيام من إخفائهم قسريا والتحقيق معهم. في بعض الحالات استخدم التنظيم أساليب تعذيب نفسية وجسدية من أجل انتزاع المعلومات. 

 

خلال 2021 صعدت إلى الواجهة مبادرة رسمية برعاية أجهزة أمنية أبرزها مكتب شئون القبائل التابع لجهاز المخابرات الحربية من أجل تسليم مقاتلي تنظيم داعش لأنفسهم في مقابل امتيازات مادية وعفو عن الجرائم السابقة، يتلقاها العنصر الذي يلقي سلاحه. بدت هذه المبادرة خلال السنوات الماضية غير فعالة رغم قيام بعض أفراد التنظيم بتسليم أنفسهم بالاستعانة ببعض من وجهاء القبائل الذين يحاولون إقناع أبناء قبائلهم المنخرطين في صفوف التنظيم للتخلي عن السلاح حيث يجري التحقيق معهم بعد نقلهم لمقرات أمنية.

 

 أخذت تلك المبادرة بعدا دراماتيكيا في سبتمبر 2021، بعدما قام رئيس القضاة بولاية سيناء محمد سعد كامل الصعيدي، الشهير بـ "أبي حمزة القاضي" بتسليم نفسه للأجهزة الأمنية رفقة زوجته وثلاثة من أبنائه بعد حصوله، على ما يبدو،على تعهد بالحفاظ علي سلامته وسلامة عائلته. ووفقا لتقارير استخباراتية، فإن القاضي يعتبر الرجل الثاني أو الثالث في قمة الهرم القيادي للتنظيم. ومن أبرز جرائمه إشرافه على تنفيذ الهجوم على مسجد بقرية الروضة حيث قتل 305 من المصلين نهاية عام 2017. استثمرت السلطات المصرية في واقعة استسلام القاضي في محاولة لحث مقاتلين آخرين على تسليم أنفسهم. قامت أجهزة الأمن بكتابة رسالة على لسان «القاضي»، يُعلن فيها ندمه على فتواه التي تسببت في قتل آخرين، مطالبًا أفراد التنظيم بمراجعة أفكارهم و قامت الطائرات الحربية بإلقاء نسخ منها في مناطق نفوذ التنظيم.

قال سالم:

​​​​​​​على السلطات المصرية اعتماد ونشر استراتيجية وطنية عاجلة تعطي الأولوية لمحاكمة مرتكبي جرائم حرب باتهامهم بجرائم محددة تضمن عدم إفلاتهم من العقاب بحجج ومبررات واهية، أما فيما يتعلق بالمشتبه بانتمائهم إلى داعش دون أي أدلة على ارتكابهم جرائم خطيرة، وخاصة الأطفال، فعلى السلطات النظر في اعتماد بدائل عن الملاحقات الجنائية، تضمن اعادة دمجهم في المجتمع بشكل يحقق استقرارا مستداما في شبه جزيرة سيناء“.

 



الكلمات المفتاحية


مقالات متعلقة