البيان متوفر بـEnglish
لندن - 30 سبتمبر 2022
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم إن المؤتمر العالمي للمناخ COP27 والذي سيعقد في شرم الشيخ بشبه جزيرة سيناء نوفمبر المقبل، على بعد رمية حجر من تلك المناطق التي شهدت تهميشا رسميا متعمدا لعقود، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال عقد من الحرب في شمال سيناء، التي نالت ويلاتها من البيئة والبنية الأساسية وحقوق السكان الأصليين.
منذ 2013، هجّرت السلطات المصرية تحت إشراف قوات الجيش، عشرات الآلاف من سكان شمال سيناء، تحت ذريعة القضاء على التنظيم المسلح "ولاية سيناء" التابع لداعش، وجرّفت الأراضي الزراعية، ودمرت البنية التحتية، وفرضت قيودا تسلطية على حركة البشر والبضائع أدت لشلل اقتصادي كامل، كما اعتقلت قوات الجيش والشرطة بالتعاون مع ميليشيات مسلحة داعمة للجيش، تعسفيا، الآلاف من سكان شمال سيناء وأخفتهم قسريا، وتعرض الأهالي لأصناف أخرى عديدة وخطيرة من الانتهاكات على يد القوات الحكومية وداعش، من الخطف، والقتل خارج القانون والتعذيب.
قال المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أحمد سالم:
من غير المعقول أن تستضيف الحكومة المصرية الآلاف من المشاركين في شرم الشيخ بسيناء لمناقشة مستقبل الحياة على كوكبنا بينما تغض الطرف عن حقوق سكان المكان، بل وتستمر في الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوقهم. طرح ومناقشة ومعالجة قضايا سيناء البيئية والحقوقية خلال وحول مؤتمر البيئة COP27 في شرم الشيخ، هو أقل ما يمكن عمله لأخذ سكان ذلك المكان الذي يستضيف المؤتمر بعين الاعتبار.
عانت شبه جزيرة سيناء من التهميش الرسمي والتقاعس الحكومي عن الاستثمار في بنيتها التحتية لعقود طويلة. ومنذ 2013 احتدمت الحرب في شقها الشمالي بين قوات الحكومة المصرية من جهة وجماعة "أنصار بيت المقدس" الإسلامية المسلحة والتي أعلنت تحولها إلى "ولاية سيناء" ومبايعتها لتنظيم داعش في 2014، من جهة أخرى. تذهب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وكذلك منظمات دولية أخرى مثل هيومن رايتس ووتش و أكاديمية جنيف للقانون الإنساني الدولي، إلى أن الوضع في شمال سيناء منذ 2014 يرقى إلى النزاع المسلح غير الدولي وتنطبق عليه قوانين الحرب. منذ ذلك الوقت تحولت شمال سيناء لمنطقة عسكرية مغلقة فرض عليها الجيش المصري حصارا إعلاميا رهيبا لمنع تدفق المعلومات ومنع وصول الصحفيين والمراقبين المستقلين للمنطقة.
لم تعثر مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان على أي دليل يشير إلى دعوة الحكومة المصرية أي جماعات أو ممثلين عن سكان سيناء، أو قبائلها ومجتمعاتها الأصلية، إلى المشاركة بشكل مستقل وفعال يعكس التعددية والتنوع في أي اجتماعات خلال أو على هامش مؤتمر المناخ، وذلك بخلاف خبر واحد عن جمعية واحدة تعمل بالتنسيق مع مكتب محافظة شمال سيناء. كما يبدو أنه لا يوجد في قاعدة بيانات منظمات المجتمع المدني المشاركة في مؤتمر COP27 أي منظمة مصرية تتخذ من سيناء مقرا لها أو تكون سيناء هي مجال نشاطها الأساسي.
تلك القطيعة مع المجتمع المدني هو انعكاس للوضع في مصر بشكل عام، وإن كان القمع الحكومي في سيناء أكثر قسوة ووحشية مع التحلل الكامل لمؤسسات الدولة ومفهوم دولة القانون إذ يشرف الجيش بشكل شبه كامل على الوضع هناك دون تدخل يُذكر للجهات القضائية أو جهات تنفيذية أخرى. غياب المجتمع السيناوي عن مؤتمر المناخ وفعاليته هو نتيجة طبيعية لسياسات الحكومة المصرية التي عملت على خنق كافة أشكال الحياة المدنية في سيناء والقضاء على الأشكال التقليدية للتعبير عن الرأي والتجمع السلمي في مجتمع سيناء مثل الندوات والمجالس والدواوين. قامت السلطات في سنوات الحرب باعتقال العديد من النشطاء السيناويين السلميين الذين حاولوا – رغم وطأة الظروف والتهديدات - تنظيم المجموعات المستقلة مثل "اللجنة الشعبية في شمال سيناء" لتدارس الوضع ومطالبة الحكومة بالسماح بفتح المجالس الشعبية والدواوين والتوقف عن سياسات التهجير القسري لحين التشاور مع السكان المحليين. أدى ذلك بالتبعية إلى تغييب صوت الحوار والعمل السلمي وإتاحة المجال أكثر للجماعات المسلحة والمتطرفة. كما أدى إلى عدم قدرة منظمات المجتمع المدني ومنظمات الإغاثة المستقلة في القاهرة والوادي على العمل بشكل فعال في شمال سيناء والوقوف على الوضع من خلال إرسال البعثات أو المراقبين المستقلين.
تحاول الحكومة المصرية في الشهور الماضية – بحسب مصادر حقوقية مستقلة مطلعة على ملف COP27 - وذلك من خلال وزارات الخارجية والتضامن والبيئة، الدفع بالعديد من المنظمات المؤيدة للحكومة أو التي تعمل في مجالات لا تنتقد السياسات الحكومية، إلى المشاركة في المؤتمر للإيحاء بأن ثمة حيوية داخل المجتمع المدني المصري الذي تم تقويضه من خلال سياسة استهداف لا هوادة فيها لكافة أشكال التنظيم والعمل السلمي منذ 2013 تضمنت غلق ومحاصرة الجمعيات واعتقال نشطاء حقوق الإنسان والعاملين في المنظمات ومنعهم من السفر وتجميد أموالهم وغير ذلك من مظاهر الاستهداف.
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إن "حيلة الاعتماد على منظمات لصيقة بالحكومة ومؤيدة لسياستها تمثل منهجا اعتمدته الحكومة المصرية منذ سنوات في الفعاليات الأممية والإقليمية المختلفة، بهدف التغطية على الأوضاع المتدهورة لحقوق الإنسان في مصر، مع تغييب الأصوات الناقدة." تأتي تلك المحاولات بينما عبّرت تصريحات رسمية على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري عن الاتجاه لفرض قيود على حرية التجمع السلمي والاحتجاج خلال مؤتمر المناخ، فيما يبدو أنه انعكاس للتربص الأمني المعتاد ضد أي فعاليات مستقلة.
إن العمل على حماية البيئة والمناخ ورسم السياسات الملائمة لا يمكن أن يتم بشكل فعال إلا في إطار سياسة أشمل تعنى بحماية حقوق المواطنين وتعزيز التعددية والمشاركة السلمية، إذ لا يمكن فصل حقوق البيئة عن حقوق السكان وحقوق الشعوب الأصلية.
تطالب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان كافة النشطاء البيئيين والحقوقيين والمنظمات المستقلة المشاركة في المؤتمر الأخذ بعين الاعتبار مكان انعقاده ومحاولة تخصيص جزء – كلٌ حسب إمكاناتهم – من جهودهم خلال المؤتمر لتسليط الضوء على والتضامن مع ومناقشة قضايا سكان الأرض المستضيفة. كما تطالب حكومات الدول المشاركة في المؤتمر إيصال رسالة واضحة لا لبس فيها أو مواربة للحكومة المصرية إن قمع المجتمع المدني غير مقبول، وأن على الحكومة المصرية تنفيذ التوصيات الواردة في الإعلان الغير مسبوق الذي تبنته 32 دولة في مجلس حقوق الإنسان الأممي في جنيف في مارس 2021 لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر. وأن أي أعمال انتقامية ضد الأصوات المعارضة قبل أو بعد المؤتمر ستؤخذ على محمل الجد، في إطار علاقة تكون مبادئ وأسس حقوق الإنسان فيها جوهرا وضمانة.
قال سالم:
إن لدى الحكومات المختلفة والنشطاء المستقلين في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فرصة حقيقية لنقل بعض من معاناة المواطن السيناوي الذي يعيش كابوس الانتهاكات المستمرة على مقربة من مقر انعقاد المؤتمر. عليهم مناقشة تلك الانتهاكات مع الحكومة المصرية وإيصال صوت هؤلاء المحرومين من المشاركة والحديث."