img
انتهاكات جسيمة في عشرية الحرب على الإرهاب قوضت قطاع التعليم في شمال سيناء
07 سبتمبر 2023

"تحركات إيجابية من السلطات المصرية للإصلاح ولكنها غير كافية"

7 سبتمبر 2023 

قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم، إن الخطوات العملية الإيجابية التي اتخذتها السلطات المصرية مؤخراً، والتصريحات الرسمية الصادرة من مسؤولين بارزين في الحكومة، والتي تأتي على الأرجح في إطار معالجة الأضرار الفادحة التي لحقت بمنظومة التعليم وبنيته التحتية نتيجة ممارسات خاطئة وانتهاكات ممنهجة وقعت خلال العشر سنوات الماضية أثناء الحرب التي شنتها الحكومة المصرية ضد عناصر إسلامية مسلحة متطرفة في شمال سيناء، هي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح ولكنها غير كافية لجبر التدهور الكبير في حصول أطفال وطلاب شمال سيناء على حقهم في التعليم.

 

رصدت مؤسسة سيناء خلال الخمسة شهور الماضية قيام السلطات المصرية بإخلاء قوات الجيش والشرطة المتمركزة داخل 12 مدرسة في مدن مختلفة من شمال سيناء، كانت المؤسسة قد وثقت بأدلة دامغة قيام القوات الحكومية باستعمالها لأغراض عسكرية خلال سنوات الحرب. كما رصدت المؤسسة إعادة بناء وترميم عدد من المدارس التي تعرضت للتدمير في مناطق شرق سيناء، جرى افتتاحها مؤخرا خلال زيارة هي الأولى من نوعها لوزير التربية والتعليم لمحافظة شمال سيناء منذ 9 أعوام. تزامنت هذه الإجراءات الحكومية مع التصريحات الأخيرة للدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم خلال اجتماع يوم الاثنين الماضي الموافق 4 سبتمبر 2023، بحضور كلا من رئيس الإدارة المركزية لمكافحة التسرب التعليمي، ومدير عام هيئة الأبنية التعليمية في شمال سيناء، ومدير مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء، والذي جرى بعنوان "متابعة الخطة التنفيذية لوضع استراتيجية متكاملة ومنسقة بين كافة الأجهزة المعنية للنهوض بالمجتمع السيناوي، وفقا للتكليفات الرئاسية". حيث استعرض الوزير خطة صيانة الأبنية التعليمية والمدارس بمحافظة شمال سيناء بمناسبة بداية العام الدراسي 2023/ 2024، كما وجه بسرعة التوسع في عدد المدارس بالمحافظة، كما أكد على مكافحة التسرب التعليمي لمختلف المراحل التعليمية بكفاءة وفعالية.

قال أحمد سالم مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:

على الحكومة المصرية الاستماع إلى صوت العقل والتعلم من دروس وأخطاء الماضي، ومعرفة أن صون حق الأطفال في التعلم وحماية المنشأت التعليمية من التدمير أو الاستعمال العسكري - سواء في وقت السلم أو الحرب- هو التزام قانوني وأخلاقي، وضمانة لحماية المجتمعات من الأفكار المتطرفة في الماضي والحاضر والمستقبل .

 

وكانت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان قد أطلقت في يونيو 2022، مشروعا بعنوان "الحق في التعليم في شمال سيناء" لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي طالت الحق في التعليم في الفترة من 2013 الى 2023، والتي قامت بها القوات الحكومية المصرية وتنظيم ولاية سيناء التابع لداعش. يوثق التقرير الذي استغرق إعداده 13 شهرا، ومن المتوقع صدوره خلال سبتمبر الجاري، الاعتداء المنهجي على المدارس والأبنية التعليمية بواسطة أطراف المعركة بما يخالف الضمانات الواردة في القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والمواثيق والعهود الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، التي وقّعت وصدّقت عليها الدولة المصرية، والتي تحمي جميعها الأبنية التعليمية وعملية التعليم وأطرافها حتى في أوقات الطوارئ والنزاعات المسلحة. توضح الأدلة التي جمعتها المؤسسة أن تلك الانتهاكات مثلت منهجية ولم تكن مجرد حالات فردية. 

 

في هذا السياق، حاولت المؤسسة تضمين وجهة النظر الحكومية في هذا التقرير من خلال التواصل مع عدة مستويات من السلطات المصرية لكنها لم تتلق أية ردود حتى الآن. قامت المؤسسة في مناسبتين خلال عامي 2022 و2023 بإرسال خطابات عبر الفاكس لوزير الدفاع ووزير التربية والتعليم، ورئيس لجنة التعليم بمجلس النواب، ومحافظ شمال سيناء، ووكيل وزارة التربية والتعليم في شمال سيناء ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. 

اطلعت منصات صحفية مختلفة في وقت سابق على الأبحاث والنتائج "الأولية" التي قامت بها المؤسسة حول الهجمات على التعليم في شمال سيناء، وكشفت صحيفة الجارديان في تحقيق نشرته حول أبحاث المؤسسة، أن قوات الجيش المصري سيطرت على 37 مدرسة وحولتها إلى قواعد عسكرية بينما دمرت عشرات أخرى خلال حرب استمرت 10 سنوات مع مسلحين في سيناء. وكرد فعل مباشر من الحكومة المصرية تجاه أبحاث المؤسسة، نشرت الهيئة الوطنية للإعلام التابعة للحكومة المصرية عبر موقعها الرسمي تقريرا صحفيا يستعرض مقطع من برنامج حواري تم بثه في أحد القنوات الحكومية، كذبت فيه كل ما نشرته صحيفة الغارديان حول التعليم في سيناء، واتهمت مؤسسة سيناء بنشر الشائعات.

 

خلال الشهور التي استغرقها إعداد هذا التقرير، استطاعت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أن تجري مقابلات مع عشرات من السكان المحليين، والمعلمين والمعلمات، وبعض الموظفين والموظفات الحكوميين العاملين في قطاع التعليم بشمال سيناء. كما قام فريق المؤسسة بزيارات ميدانية دورية في معظم القرى بمدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد والحسنة، تمكن خلالها الفريق من معاينة الانتهاكات وآثارها الممتدة التي لحقت بالمنشآت التعليمية، وقام بحصر أكثر من 100 مدرسة ومبنى تعليمي تعرضت إما للتدمير أو للاستخدام العسكري أو الإغلاق، مما تسبب في تسرب آلاف الطلاب من التعليم وتسبب في عدم تمكن طلاب آخرين في تحصيل القدر الكافي من المعارف، فكانت النتيجة هو استمرار النجاح الشكلي الورقي لآلاف الطلاب، يقول عنهم آباؤهم ومعلموهم "أنهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، إذ أن الاختبارات كانت شكلية فقط".

 

 كما تمكن فريق المؤسسة من التقاط مواد مصورة حصرية لعشرات المدارس في مدن محافظة شمال سيناء من أجل إعداد قاعدة بيانات وخريطة تفاعلية تنشر مع هذا التقرير كمصدر مفتوح، يعبر عن واقع حقيقي متاح للمسئولين الحكوميين، وكذلك للباحثين والصّحفيين.

 

يغطي القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضاً باسم قوانين الحرب، النزاع المسلح في شمال سيناء، باعتباره نزاعاً مسلحاً غير دولي، تنطبق عليه المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وأحكام القانون الدولي الإنساني العرفي. من المبادئ الأساسية لقوانين الحرب أنه يتعين على الأطراف في جميع الأوقات التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية. ولا يمكن توجيه الهجمات إلا باتجاه المقاتلين والأهداف العسكرية.        

في زمن الحرب، قد يؤدي استخدام المدارس والجامعات لأغراض عسكرية إلى المخاطرة بحق الطلاب في التعليم. لقد دعت لجنة حقوق الطفل – وهي هيئة الخبراء الدولية المنوط بها مراقبة التزام الدول باتفاقية حقوق الطفل – الدول إلى ألا تستخدم المدارس لأغراض عسكرية.  كما أشارت إلى أن "التواجد العسكري إلى جوار المدارس يزيد كثيراً من خطر تعريض أطفال المدرسة لأعمال القتال وأعمال الانتقام من قِبل الجماعات المسلحة غير القانونية". في حالات الاحتلال العسكري للمدارس، دعت اللجنة أيضاً الدول إلى: "إجراء تحقيقات فورية ومحايدة إزاء التقارير التي تشير إلى احتلال قوات عسكرية للمدارس وضمان محاسبة المسؤولين داخل القوات المسلحة عن هذا الأمر على النحو الواجب، من خلال تجميد العمل أو الملاحقة القضائية أو فرض عقوبات ملائمة".                    

 

لم ترصد مؤسسة سيناء خلال سنوات الحرب أي تقارير إعلامية أو تصريحات لمسؤولين تفيد بإجراء أية تحقيقات حول تدمير المدارس أو الأستخدام العسكري لها خلال الحرب أو بعدها. ورغم قيام الجيش والشرطة بإخلاء عدد من المدارس التي كانت تستخدم لأغراض عسكرية مؤخرا، لا يزال حتى الآن عدد آخر من المدارس تغلق أبوابها أمام الطلاب ويسكنها الجنود والسلاح بدلا من الأطفال والألعاب.

قال سالم:

 إن أطفال سيناء اضطروا إلى مواجهة أمور ضمن فظائع الحرب لا يصح لطفل أن يتحملها، يقع على عاتق الحكومة المصرية مسؤولية حماية حق الأطفال في التعليم، كما يجب على الحكومة إخلاء جميع المدارس المستخدمة عسكريا فورا وتسريع وتيرة إعادة بناء عشرات المدارس المدمرة، والاستعانة بخبراء لوضع خطط لاعادة دمج آلاف الطلاب الذين تسربوا من التعليم خلال سنوات الحرب في العملية التعليمية، من أجل ضمان مستقبل أفضل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستعرض هذا الجزء دراسة حالة لمدرسة جرى إخلاؤها من قوات الجيش مؤخرا:

 

مدرسة قوز غانم للتعليم الأساسي المشتركة

تقع المدرسة في قرية قوز غانم غرب مدينة رفح، وهي إحدى المدارس التي استخدمها الجيش عسكريا منذ عام 2016، وظلت المدرسة تستخدم لأغراض عسكرية لمدة 7 سنوات، حتى رحلت القوات عنها بتاريخ 22 أغسطس 2023.

 

وفقًا لمقابلات أجرتها المؤسسة مع اثنين من أولياء أمور أطفال في المدرسة، قامت قوات الجيش بإقامة كمين داخل المدرسة في مايو 2016. تحولت القرية الى بيئة طاردة للمدنيين في موجات نزوح متتالية بسبب العمليات العسكرية وسقوط قذائف مدفعية ورصاص بشكل عشوائي على منازل المدنيين، حتى صدرت أوامر من الجيش للسكان المتبقيين بالرحيل من القرية في أكتوبر 2016. 

 

حصلت المؤسسة على فيديو حصري بتاريخ مارس  2023، يظهر استمرار وجود ارتكاز عسكري فوق سطح المدرسة وتحصينات عسكرية في محيطها، كما يظهر برج اتصالات لاسلكي جرى انشاؤه بالقرب من المدرسة اضافة الى ثكنة عسكرية محاطة بأسوار وأبراج مراقبة، جرى مطابقتها مع صور الأقمار الصناعية. هذه الإنشاءات والتعديلات ظهرت بشكل متكرر في عدد من المدارس الأخرى التي يستخدمها الجيش عسكريا. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية والمواد المصورة الحصرية قيام الجيش بهدم منازل المدنيين المحيطة بالمدرسة.

تظهر صورة حصرية حصلت عليها المؤسسة بتاريخ 15 مارس 2023 استمرار وجود تحصينات عسكرية فوق سطح المدرسة وحولها

 

صورة بانورامية من الفيديو الحصري الذي حصلت عليه المؤسسة ومطابقته مع صور الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر

أظهرت أيضا ثلاث صور للأقمار الصناعية ملتقطة يوم 2 و12 و22 مايو 2022 وجود آليات عسكرية داخل محيط التحصينات ملاصقة للمدرسة. يبلغ طول الآليات العسكرية نحو 5.5- 6 أمتار وعرضها نحو 2.5- 3 أمتار. وهو ما يتوافق في الأبعاد مع مركبات الجيش المصري.


ترحب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة مؤخرا، وتطالب بالشفافية في إعلان المشكلات الراهنة في التعليم في شمال سيناء، كعملية، وكحقّ من حقوق الإنسان، عوضًا عن الاعتماد على الطريقة الدعائية التعبوية، التي تجمّل الواقع ولا تعالجه. وذلك بما يشمل الإعلان بشكل شفاف ودقيق عن أعداد المدارس المهدمة، والأطفال الذين تسربوا من التعليم. كما تطالب المؤسسة الإعلان عن خطة متكاملة لإعادة الأطفال للعملية التعليمية بما يشمل ترميم وتجهيز وتشغيل المدارس التي عُطّلت او دمرت جزئيًا أو بناء مدارس جديدة بديلا عن تلك التي دمرت كليًا في العمليات العسكرية في شمال سيناء في مناطقها المختلفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



الكلمات المفتاحية