img
قررت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية استمرار حبس 19 من أبناء قبائل سيناء لمدة 30 يوم على خلفية تظاهرات "حق العودة"
09 نوفمبر 2023

قررت المحكمة العسكرية بالإسماعيلية اليوم الأربعاء 8 نوفمبر، استمرار حبس 19 من أبناء قبائل سيناء لمدة 30 يوم على ذمة التحقيقات في القضية رقم 80 لسنة 2023، على خلفية تظاهرات "حق العودة" والتي طالب فيها آلاف السكان المحليين بالعودة لرفح والشيخ زويد عقب سنوات من التهجير القسري. وكانت المحكمة ذاتها، قد قررت أمس الثلاثاء استمرار حبس 8 متهمين آخرين على ذمة نفس القضية، والتي وجهت النيابة العسكرية للمتهمين فيها اتهامات تتعلق بالتجمهر وإستعراض القوة والتخريب.
 

في 23 أكتوبر الجاري تجمع المئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قبيلتي الرميلات والسواركة، بالقرب من قرى الحسينات والمهدية قرب مدينة رفح، وقرية الزوارعة جنوب مدينة الشيخ زويد، للمطالبة مرة أخرى بحقهم في العودة لأراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي حددتها السلطات المصرية، وحثها بوعودها بعودتهم في موعد أقصاه 20 أكتوبر 2023، وذلك خلال اجتماع جمع بين شيوخ القبائل وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في مدينة العريش، أغسطس الماضي، على خلفية اعتصام للمهجرين والنازحين وقتها.

وبحسب الشهادات والمواد المصورة التي حصلت عليها مؤسسة سيناء، فقد استخدمت قوات الجيش العنف غير المبرر بحق المحتجين، وتعمدت إطلاق الرصاص لتفريقهم، واعتقلت تسعة منهم على الأقل، ما زالوا رهن الاحتجاز غير القانوني، في مقر كتيبة الساحة (أكبر معسكر للجيش داخل رفح). هذا بالإضافة إلى تعدى أفراد الأمن على أحدهم بضرب مبرح، بعدما تعمدت مدرعة عسكرية الارتطام بسيارته لإيقافها، مما تسبب في إصابته في الرأس وتعرضه للإغماء. وفي صباح اليوم التالي، 24 أكتوبر، كتب الشيخ صابر الصياح الرميلات، أحد أبرز الرموز القبلية في شمال سيناء وقائد اعتصام أغسطس 2023، منشورًا عبر حسابه على موقع فيس بوك  أفاد فيه بمحاولة اعتقاله مرتين بناء على تعليمات من قائد الجيش الثاني الميداني، معلنًا أنه بصدد تسليم نفسه في مقر الكتيبة 101 في مدينة العريش. وفي اليوم التالي تم اعتقال العشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية من قبل قوات كمين "الشلاق"، على مدخل مدينة الشيخ زويد.

تأتي احتجاجات السكان في شمال سيناء مؤخرًا، خوفًا من التقارير الصحفية المتواترة حول خطط إسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة بفلسطين لمنطقة شمال سيناء، والإشارة إلى ضغوط مكثفة على الحكومة المصرية لقبول استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة بشكل دائم في سيناء. وما يزيد من هذه المخاوف خلو مناطق شرق سيناء من سكانها، والدمار الكامل لبنيتها التحتية، خاصة في مدينة رفح وعدد من قرى الشيخ زويد، نتيجة عقد كامل من العمليات العسكرية ضد تنظيم ولاية سيناء، وقرارات الرئيس المصري التي فرغت المنطقة من سكانها. 

 

خلفية

في 29 أكتوبر 2014، أصدر رئيس الوزراء إبراھيم محلب مرسومًا يقضي بـ"إخلاء وعزل" منطقة تمتد قرابة 5 كيلومترات داخل شمال سيناء على طول الحدود مع غزة، تشمل معظم مدينة رفح. وبحسب الخريطة المرفقة بالمرسوم، تم تحديد المنطقة العازلة على أن تمتد بطول الحدود (13 كيلومتر) مع غزة، وتضم نحو 79 كيلومتر مربع من الأراضي المصرية. كما ورد بالمرسوم أن يحصل المواطنون المضطرون للإخلاء على "التعويض العادل" وعلى مساكن بديلة. إلا أن قيمة التعويضات ظلت محل اعتراض من الأهالي والمنظمات الحقوقية لعدم تناسبها مع قيمة الضرر، فضلاً عن عدم حصول آلاف الأسر المهجرة عليها رغم مرور سنوات على تطبيق المرسوم. 

أصدر الرئيس السيسي في 29 نوفمبر 2014 القرار رقم 444 لسنة 2014، الذي خصص خمسة كيلومترات من الأرض داخل مدينة رفح كمنطقة حدودية "محظورة"، على طول الحدود مع قطاع غزة، بدعوى مواجهة تهديد أنفاق التهريب. ومن ثم، تم هدم آلاف المنازل في منطقة مأهولة، لتخصيص منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، ودمرت أحياءً بأكملها ومئات الأفدنة الزراعية.

وفي 23 سبتمبر 2021، أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي القرار رقم  420 لسنة 2021، والذي نص على تحديد قرابة ثلاثة ألف كيلو متر مربع من الأراضي في شمال شرق شبه جزيرة سيناء، كـ مناطق حدودية تخضع لقيود صارمة. وقد شمل القرار الكثير من القرى والتجمعات السكنية ومدناً رئيسية لا زالت تضم آلاف السكان، ضمن المناطق المحظورة. 

 

ووفقاً لتقديرات سابقة نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان فإن نحو 40 ألف مواطن في شمال سيناء يسكنون حاليًا في المناطق التي تم اعتبارها "محظورة"، مما يضعهم في دائرة التهديد المستمر بشبح التهجير القسري، ناهيك عن عشرات آلاف من المدنيين النازحين من هذه المناطق، الذين كانوا يتطلعون لإنتهاء العمليات العسكرية للعودة لأراضيهم. وفي العام نفسه، أصدر رئيس الجمهورية القرار الرئاسي رقم 442 لسنة 2021ليحول "الاستثناء" إلى "حالة دائمة" في شبه جزيرة سيناء؛ إذ نص القرار على منح صلاحيات واسعة غير مسبوقة لوزير الدفاع، تُقوض عمليًا كافة الحقوق الأساسية للمدنيين. ومن بين هذه الصلاحيات إخلاء بعض المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على مناطق معينة وفرض حظر التجوال. 

يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان وكذلك القانون الدولي الإنساني المنطبق في حالة الحرب، بشكل صارم، عمليات التهجير القسري والاستيلاء على الممتلكات إلا في حالات استثنائية مثل الحفاظ على الأرواح، أو كملاذ أخير بعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى. كما يقدم القانونان حِزمة من الضمانات التي ينبغي على الحكومات اتباعها في حالة الاضطرار لتهجير السكان، على رأسها المناقشة المجتمعية الشفافة للقرار وتبعاته خاصة مع المتضررين منه، وضمان الحفاظ على كرامة المواطنين، وتعويضهم تعويضًا مناسبًا بشكل مسبق، ومنحهم أرضاً بديلة وسكناً بديلاً. كما يُلزم القانون الدولي الحكومات بالسماح للمهجّرين بالعودة لمنازلهم وأراضيهم في أقرب وقت ممكن، بمجرد زوال مبرر تهجيرهم. كما تنص المادة 63 من الدستور المصري على أن "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم". إلا أنه وفي كل الحالات التي حققت فيها المنظمات الحقوقية، لم تتبع الحكومة هذه المعايير والضمانات. 


 

 



الكلمات المفتاحية