img
تصريحات محافظ شمال سيناء عن "بيع" رفح الجديدة إهانة جديدة للمهجرين قسريا

البيان متوفر بـEnglish

قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إن تصريحات محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبدالفضيل شوشة الأخيرة الصادرة في 5 يونيو 2021 بخصوص آلية التسكين في مباني ما يسمّى بـ"رفح الجديدة" كانت "صادمة"، إذ توضح أن الدولة تخطط لبيع تلك الشقق السكنية وليس منحها مجانا للمهجرين كبديل لمساكنهم المهدمة. توضح تلك التصريحات مجددا أن الدولة المصرية مصممة على الاستهانة بحياة وحقوق عشرات الآلاف من المهجرين قسريا من مدن وقرى شمال سيناء وذلك بالتقاعس عن تقديم التعويضات الملائمة والسكن الملائم البديل، والجور على كافة الضمانات التي يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان ضد التهجير القسري.

جاءت تصريحات اللواء عبدالفضيل شوشة أثناء جولة تفقدية في منطقة السبيل غرب مدينة العريش، حيث وجه له عدد من المواطنين المهجرين من رفح اسئلة تتعلق بإمكانية عودتهم لقراهم، وذلك في ظل تواجد عدد من الصحفيين المحليين، ويظهر جزء من الحوار الذي دار بينهم في مقطع فيديو على الصفحة الرسمية للعلاقات العامة والاعلام لمحافظة شمال سيناء.

قال أحمد سالم مدير مؤسسة سيناء: "الاستثمار في معاناة المهجرين قسريا والتربح ماديا من تسكينهم بدلا من توفير التعويضات السريعة والملائمة بعد 8 سنوات من حملات التهجير والهدم هو انتهاك صادم ووقح، يُضاف لسجل الحكومة المصرية الحالية في دهس حقوق المواطنين السيناويين".

وتأتي تصريحات المحافظ عبد الفضيل شوشة لتلقي الضوء على استمرار الجور على حقوق المواطنين، بل والاستثمار في معاناتهم للحصول على ربح مادي. حيث قال المحافظ في عند إجابته على سؤال حول مقدم شراء الوحدات السكنية في رفح الجديدة أنها ستكون بمقابل مادي، وقال: "أبو بلاش ده مفيش". 

ويتضح من تصريحات المحافظ أن المبلغ سيكون كبيرا، حيث قال إنه لن يكون شبيها بآلية التسكين في عمارات السكن الاجتماعي في العريش والتي سمحت الدولة لبعض المهجرين بتأجير نحو 1100 وحدة سكنية (شقة) فيها في 2020 مقابل أسعار مدعومة حكوميا. وتقع ما يسمى بـمدينة "رفح الجديدة" شرق الشيخ زويد على الطريق الدولي رفح العريش عند منطقة الوفاق، وقد أعلنت عنها الحكومة في 2015 كمشروع إسكان للمهجرّين من منازلهم في مناطق رفح. إلا أنه وحتى الآن لم يتم تسليم أي وحدات سكنية فيها لأي مواطن. كما لم توضح السلطات آلية الحصول على شقة في تلك المباني.

كما قال المحافظ إن تلك العمارات ستكون "الأولوية" للسكن فيها للمهجرين من أبناء سيناء في المحافظات الأخرى مثل الشرقية والقاهرة والإسماعيلية. لكن تصريحاته يبدو أنها أيضا تعني أن الوحدات السكنية في "رفح الجديدة" ستكون أيضا متاحة لكل من يستطيع أن يدفع، مما يعني أن الدولة تتعامل مع رفح الجديدة كمشروع استثماري وليس كآلية تعويض للمتضررين والمهجرين. 

قال "منصور"، مواطن من قرى رفح المهجرة، لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: "المعلومات المتداولة بين الأهالي أن مقدم الحصول على وحدة سكنية هو 70 ألف جنيه مصري، من وين اجيبها؟ أنا من قرية الطايرة ومثلي مئات تم تهجيرنا منذ 4 سنوات وبيوتنا انهدمت ومخدناش أي تعويضات، والله ولا جنيه واحد، وفقدت مصدر دخلي الوحيد بعد تجريف مزرعتي، وطبعا ما اخدت تعويض عن مزرعتي زيها زي البيت، حتى اللي خد تعويض عن هدم بيته في رفح بعد كل السنوات هذي وهو بيدفع ايجار بالغالي وبيصرف على عياله، مضلش عنده اللي يخليه قادر يشتري شقة في رفح الجديدة".

أشار المحافظ في حديثه إلى الانتهاء من إنشاء نحو 84 عمارة سكنية في مدينة رفح الجديدة بإجمالي 1344 وحدة سكنية،  منهم 41 عمارة جاهزة بإجمالي 656 وحدة سكنية و43 عمارة تحت التنفيذ بإجمالي عدد 688 وحدة سكنية، وأضاف إنه من المزمع إنشاء 200 منزل بدوي خلال المرحلة الأولى، لكن الحصول عليها سيكون أيضا بمقابل مادي، ولم يوضح متى يمكن البدء في تسكين الأهالي.

أعلنت الحكومة عن رفح الجديدة لأول مرة في 2015 في وجه الانتقادات المتصاعدة لعمليات التهجير والإخلاء القسري لأبناء سيناء، زاعمة أنه سيتم تسكين المهجرين في تلك المدينة الجديدة. حيث أصدر مجلس الوزراء القرار 2021 لسنة 2015 (عدد 13 أغسطس 2015 من الجريدة الرسمية) بتخصيص نحو 535 فدان لبناء رفح الجديدة. لكن لم يتم وضع حجر الأساس للمشروع إلا في 2018. واعترف الرئيس السيسي في تصريحاته بتأخر العمل في المدينة بسبب الظروف الأمنية. وتكثف الحديث الحكومي الرسمي من خلال كبار المسؤولين في الحكومة والجيش، وكذلك الإعلامي غير الرسمي، عن هذا المشروع خلال السنوات الماضية بشكل يوحي وكأنه هو الحل السحري للمهجرين، لكن هذا الاهتمام والتسويق الإعلامي يتناقض جذريا مع تصريحات المحافظ الأخيرة التي توضح إن المشروع هو مسألة استثمارية بحتة، كما تتناقض تلك البروباجندا الإعلامية مع حجم الإنجاز على الأرض، حيث أن ماتم إنجازه فعليا بشكل نهائي حتى الآن هو ما يقارب نصف المرحلة الأولى من المشروع بعدد 41 عمارة سكنية وان 43 عمارة ما زالت في مراحلها النهائية.

وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المنشورة في عام 2017 فإن عدد سكان مدينة رفح – والتي هدمت بشكل كامل تقريبا – كان نحو 75537 نسمة، وعدد الأسر كان 16770 أسرة. بالتالي بعد مرور 6 سنوات من إعلان الحكومة عن رفح الجديدة فإن حجم الاستيعاب المتوقع للسكان المهجرين قسراً من رفح داخل المدينة الجديدة لن يتعدى 9% من إجمالي الأسر.

كما أظهر مقطع الفيديو الذي نشرته محافظة شمال سيناء أحد السكان المحليين يشتكي للمحافظ من عدم تلقيه تعويضاً مالياً عن منزله الواقع داخل المنطقة العازلة حتى الآن ويسأل المحافظ عن امكانية استبدال هذا التعويض بوحدة سكنية في مدينة رفح الجديدة. لكن المحافظ تجاهله تماما زاعما إنه "مفيش الكلام دا". وذلك على الرغم من التقارير الحقوقية الموثوقة والتي كان آخر تقرير هيومن رايتس ووتش، بالتعاون مع مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، في مارس 2021 والذي أشار إلى أن الآلاف من أبناء سيناء المهجرين لم يحصلوا على تعويضات والكثير منهم حصل على تعويضات غير كافية.

كما أوضح المحافظ إن ما يُطلق عليه "التجمعات التنموية" في وسط وجنوب سيناء ستكون متاحة لكل المصريين وليست للمهجرين من أبناء سيناء فقط مما يعزز النظرة لكل تلك المشروعات كمشروعات استثمارية، تهدف الدولة للتربح منها، وليست خدمات تقدم للسيناويين الذين أنهكتهم حرب طالت منذ 2013 وقضت على مصادر دخل الآلاف منهم. ويتناقض ذلك بشدة مع تصريحات الرئيس السيسي عن تلك المشروعات والتي يذكرها في سياق الحديث عن البدائل السكنية المقدمة للسيناويين. فعلى سبيل المثال وفي خطاب ألقاه في أكتوبر 2019 ورفض فيه الاعتراف بالتهجير القسري وقال – على خلاف الحقيقة - إن كل المهجرين تلقوا تعويضات،

قال الرئيس السيسي: "احنا فعلاً اخلينا الناس لكن احنا مضيعناش الناس وبنبني أماكن مدن كاملة رفح الجديدة بقوله تعالى هنا خش، ونبني تاني وتالت ورابع، والمجتمعات البدوية اللي احنا بنعملها اللي قربت تخلص جاهزه انكم تدخلوا وتقعدوا فيها، 26 تجمع منهم 14 في جنوب سيناء و12 في شمال سيناء، التجمع عبارة عن آبار مياه وأراضي زراعية وبيوت مبنية بالطريقة اللي اهالينا في سيناء يحبوا يعيشوا فيها."​​​​​​​

كما يتناقض أداء الحكومة في تنفيذ التصميم المعماري لمشروع رفح الجديدة مع ما اعتاده أهل سيناء، وخاصة مناطق رفح والشيخ زويد، من السكن في بيوت تضم العائلة الممتدة في وحدات منفصلة ويحطيها (حوش) أو مزارع. وكانت دراسة أعدها المجلس التخصصي لتنمية المجتمع، بتكليف من رئيس الجمهورية وفقاً للبيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية في نوفمبر 2014، قد توصلت خلال فحصها لآليات تنفيذ مشروع إنشاء مدينة "رفح الجديدة" كمجتمع عمراني متكامل يحقق التنمية المستدامة لأهالي مدينة رفح، إلى نتائج منها طرح مقترح لإنشاء مجتمع عمراني متكامل وحديث في شمال سيناء، يُراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتراث الثقافي لأهالي مدينة رفح. 

إلا أن ما هو معروف عن المشروع من خلال صور الأقمار الصناعية و الفيديوهات الحصرية التي حصلنا عليها لأعمال الانشاءات الجارية تظهر أن الأبراج السكنية المرتفعة ذات الوحدات (الشقق) الصغيرة نسبيا تمثل نسبة 96% من إجمالي المشروع بينما تمثل البيوت البدوية نسبة 4% فقط، الأمر الذي يعتبر تجاهلا شديداً للهوية الثقافية للمجتمع المحلي وعاداته وتقاليده ويعكس عدم تبني الحكومة لإجراء حوار مجتمعي جاد مع السكان المحليين.

على السلطات المصرية أن تفهم فداحة ما قامت به في لجوئها لخيار تهجير السكان قسراً وهدم منازلهم وتجريف مزارعهم والقضاء على مصادر رزقهم بدعوى مكافحة الإرهاب، بالإضافة لتقصيرها الواضح في تعزيز فرص النازحين في إيجاد فرص حياة جديدة في مناطق نزوحهم، وعدم تعويضهم بشكل لائق مادياً ومعنوياً. يحتم القانون الدولي عودة الأهالي المهجرين لأراضيهم فور أن تسمح الظروف بذلك. كما أنه على السلطات أن تقدم التعويضات المادية والمعنوية مقدما وليس بعد سنوات من التهجير. كما أن الأرض لابد أن يتم تعويضها بأرض مماثلة أو أفضل منها وليس فقط بالمال. كما أن القانون الدولي واضح في النص على أن التعويضات ينبغي أن تشمل كل الخسائر المادية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية التي تحملها الأهالي بسبب التهجير. 



الكلمات المفتاحية