img
نهاية “وشيكة” لداعش في سيناء ومستقبل غامض.. استراتيجية "أقل الضررين" لا تحفظ الاستقرار أو الحقوق على المدى البعيد

الورقة متوفرة بـEnglish​​​​​​​​​​​​​​

كما هو مشهود، بدأت العمليات العسكرية في سيناء على استحياء في أعقاب ثورة يناير 2011 مع تصاعد القلاقل الأمنية، واستمرت محدودة في 2012، ثم تفجر الوضع تماما في يوليو 2013 عقب إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي. منذ ذلك الوقت، احتدمت الهجمات والهجمات المضادة، وتحولت شمال سيناء لساحة حرب بالمعنيين القانوني والمجازي للكلمة بما شهد آلاف من القتلى والمصابين بين السكان المدنيين، وقوات الجيش والشرطة، وكذلك عناصر تنظيم أنصار بيت المقدس الذي تحول إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعته لداعش في 2014. جرى كثير من الماء - أو الدماء - إذن في تلك البقعة من أرض مصر عبر ما يربو عن العقد، لكن الأحداث المتسارعة في العامين الأخيرين 2022 و 2021، جاءت بتغييرات جوهرية في المشهد الذي بدا كأنه فصول من مسلسل واحد بين أعوام 2013 و 2020. المسلسل الجديد حمل مشاهد جديدة بالكلية تتضمن تراجعا كبيرا لقدرات وهجمات تنظيم "ولاية سيناء". هذه الورقة تستعرض السؤال الأساس: ما الذي حدث لتدشين المشهد الجديد؟ وما هي أهم ملامحه؟ وهل يعني تراجع داعش بالضرورة عودة الأمن والاستقرار بشمال سيناء؟ 

ورغم إن هذه الورقة صادرة عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، المعنية بالضرورة وفي كل الأحوال، برصد وتوثيق التطورات والأحداث من منظور قانوني تكون المرجعية فيه لقوانين حقوق الإنسان الدولية والمحلية، إلا أننا ارتئينا أيضا أنه من المفيد - وخاصة بالنظر للتعتيم الإعلامي الكبير عما يحدث في شمال سيناء - دمج التحليل القانوني والسياسي في ثوب واحد، تتشابك فيه خيوط التحليل السياسي، والرصد الخبري، قبل الانتقال للتصنيف القانوني.

لقد نحتْ مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، إلى القول بأن الوضع في شمال سيناء، منذ نهاية 2013 أو 2014، يرقى على الأرجح إلى حالة النزاع المسلح الغير دولي وبالتالي تنطبق عليه قوانين الحرب، أو ما يُعرف بالقانون الدولي الإنساني، وذلك بالنظر إلى الدرجة التي بلغتها حدة العمليات في شمال سيناء، وبخاصة منذ 2014، واستمرارها على مدار عدة سنوات على تلك الدرجة من القوة بين قوات الحكومة المصرية، وتنظيم "ولاية سيناء" الذي تمتع بتشكيل هرمي وتراتبية قيادية بدرجة واضحة من التعقيد والتنظيم الداخلي، كما تمتع في وقت من الأوقات بسيطرة منقوصة وغير كاملة على بعض المدن والقرى في شمال سيناء. 

النزاع المسلح ليس توصيفا أخلاقيا أو سياسيا، إنما توصيف قانوني يرتب تبعات قانونية على الأطراف المتحاربة الهدف منها حفظ الحياة والكرامة البشرية إلى أقصى درجة ممكنة خلال فترة النزاع بالنظر إلى الاعتبارات الاستثنائية التي ترتبها الحروب. وقد توصلت البشرية لتلك القوانين - التي تتشكل أغلبها وفقا لاتفاقات جنيف الأربعة وملحقاتها الإضافية الثلاثة - بُعيد الحرب العالمية الثانية وبعد أن ثبت للبشرية إن حرب بلا قوانين هي طريق معبّد للهلاك والدمار وتقويض أبسط القواعد المتعلقة بحقوق وكرامة البشر تحت مسمى الحرب.

علاوة على ذلك، فإن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان المنطبق في حالة السلم، تبقى منطبقة أيضا في حالات الحرب والنزاع المسلح. وعلى سبيل المثال، يشمل ذلك حقوق المعتقلين والموقوفين من المدنيين. فلا يجوز التذرع بحالات الحرب والطوارئ في إخفاء الناس قسريا واعتقالهم بمعزل عن النظام القضائي. 

ارتأت مؤسسة سيناء  أنه من المفيد بعد نحو عقد من احتدام الصراع، إعادة النظر في سؤال النزاع المسلح، بالنظر إلى خفوت العمليات العسكرية نسبيا والتراجع الكبير والواضح في قدرات تنظيم "ولاية سيناء" بعد مقتل واعتقال الكثير من منتسبيه وأعضائه. وكذا البحث في سؤال المستقبل القريب وكيف يمكن تلمس الطريق - بفرض نهاية النزاع المسلح - نحو رد المظالم وحفظ الحقوق وتحقيق الاستقرار؟ مثّل البحث عن إجابة تلك الأسئلة  بواعث هذه الورقة. وكما أشرنا أعلاه، فإن الإجابة على السؤال القانوني يتم عبر تحليل سياسي لمستجدات المشهد السيناوي في العامين الماضيين، بغرض فهم ما حدث واستشراف ما هو في طور الصيرورة، واستخلاص التوصيات بشأن المستقبل.



الكلمات المفتاحية


مقالات متعلقة