img
أبرز الانتهاكات التي وقعت في سيناء خلال شهر يونيو

”أطفالي يعيشون بفزع، أحدهم أصبحت لديه حالة نفسية، إذ يبكي بشدة كلما سمع أصواتًا مرتفعة“

  • أحد الآباء الذي يعيش مع أولاده في حي بمدينة ”الشيخ زويد“، يتحدث عن الحالة التي يمر به أحد أطفاله عند سماعه لأية أصوات مرتفعة، منها أصوات القذائف العشوائية.

ملخص

خلال هذا الشهر، وثقت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات في محافظة شمال سيناء، وقابلت عددًا من شهود العيان والسكان المحليين، وتواصلت مع موظف حكومي يعمل في وزارة التربية والتعليم، جميع هؤلاء قدموا شهادات عن الأحداث والأوضاع التي يمرون بها. وهي أمور تبذل السلطات جهدها للتكتيم عليها عبر حجب أي تغطية إعلامية مستقلة.

منذ سنوات، تشهد مناطق شمال سيناء عمليات قتل خارج نطاق القانون؛ ونزوح قسري وتشريد داخلي، وتجريف وإزالة للقرى والمناطق الآهلة بالسكان. يحدث بعضها بسبب قذائف وإطلاقات عشوائية تطلق أغلبها من كمائن ونقاط عسكرية تابعة للجيش المصري، وأخرى بسبب تنظيم ”داعش“ المتطرف، الذي ارتكب بحق الأهالي انتهاكات جسيمة يرقى بعضها ليكون جرائم حرب.

نتج عن النزاع الدموي المتواصل في شمالي سيناء تحوّل معظم المناطق إلى بيئة طاردة للحياة تنعدم فيها متطلبات الحياة الكريمة، وهو ما سبب تعاظمًا للخسائر التي طالت الأهالي.

خلال شهر يونيو من 2020، عاشت أحياء سكنية في مدينة “الشيخ زويد”، شمالي سيناء، تحت خطر سقوط القذائف العشوائية الصادرة من ارتكازات الجيش المصري، وتعرضت أعيان مدنية عديدة للإصابة بها مما نتج عنه أضرار مادية كبيرة وفزع شديد. وأقدمت قوة عسكرية على نسف وتدمير مدرسة تقع غرب مدينة العريش بمزاعم إمكانية استغلالها من قبل ”عناصر تكفيرية“.

كما عمدت السلطات المحلية على تنفيذ قرار تمييزي يعطّل حياة الناس، بإلغاء افتتاح موسم الصيد في بحيرة ”البردويل“ دون تحديد موعد آخر، ليجتمع هذا الأمر مع قرار منع الصيد في سواحل شمال سيناء، والذي ما زال ساريًا منذ عامين ونصف العام، وهو قرار يشمل صيادي محافظة شمال سيناء فقط دون غيرهم، مسببًا في ذلك تعاظمًا للصعوبات التي يواجهها السكان المحليون، والتي اشتدت منذ انطلاق العمليات العسكرية الشاملة في سيناء فبراير 2018.

من جانب آخر، فقد داوم تنظيم ”الدولة الإسلامية في سيناء“ في تسجيل انتهاكات أخرى في سجله المظلم تجاه مواطنين سيناء، إذ استولى على سيارات نقل محملة بالبضائع، وهدد أصحابها بالقتل في حالة تكرار نقلهم البضائع لإحدى القرى التي يعتبرها معادية له.

انتهاكات شهر يونيو

 

1- انتهاكات الحكومة المصرية

أ- الهجمات المدفعية وإطلاقات النار العشوائية

وثقت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان سقوط 5 قذائف مدفعية تجاه مناطق آهلة بالسكان في عدة مواقع من مدينة ”الشيخ زويد“. تُعد القذائف المدفعية عشوائية الاستهداف، لا تتمكن من التمييز والإصابة بدقة، مما يجعلها في مصاف الأسلحة التي حظر القانون الدولي الإنساني استخدامها في المناطق المدنية، وفقًا للمادة 51/4 من البروتوكول الأول الإضافي من اتفاقيات جنيف لعام 1977، الذي عرّف صراحة ”الهجمات العشوائية“ بأنها تلك ”التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو المحدد قانونًا، ومن ثم فإن من شأنها أن تصيب، في كل حالة كهذه، الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز“.

لا تعترف قوات إنفاذ القانون المصرية بوقوع ضحايا جراء هذا النوع من الاسلحة، وتقيّد الجهات الإدارية والطبية والسلطات الأمنية في تقاريرها أن أسباب وقوع إضرار جراء هذه الأعمال يعود لأسباب مجهولة، مما يحمي السلطات المسؤولة من أية مسائلة أو تعويض مستحق للضحايا.

في تاريخ 2020.06.01، أحدث سقوط قذيفتين عشوائيتين على مبان سكنية لمدنيين، في حي الكوثر داخل مدينة الشيخ زويد، فزعًا شديدًا بين السكان وأضرارًا مادية جسيمة في المنطقة. أفاد شاهد عيان لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن الحادثة وقعت في وقت الظهيرة، وأن أحد هذه القذائف سقط على سطح عمارة سكنية أهلية، تقع بالقرب من مسجد الحي، أما الثانية فوقعت في أرض فضاء قرب مساكن عشيرة "الملالحة" المجاورة.

أوضح أحد سكان العمارة، أن سطح واحدة من الشقق السكنية تضرر بشدة، وأحدثت القذيفة فيه فتحة كبيرة، وامتدت آثار الانفجار مسببة أضرارًا فادحة للمنزل من الداخل، ولولا أن ساكني الشقة لم يكونوا في داخلها لحظة الحادثة، لكانوا قد تحولوا إلى أشلاء.

 

 رجح عدد من أهالي الحي انطلاق القذائف المدفعية من كمين بوابة مدينة الشيخ زويد، الواقع عند مدخل المدينة من الجهة الغربية المحاذية للطريق الدولي المؤدي إلى مدينة العريش، واتفقت روايات الأهالي المقدمة لفريق مؤسسة سيناء، على أن دورية للجيش حضرت بعد ساعة من الحادثة للمنطقة لاستطلاع المكان وجمع بقايا من القذيفتين دون إبداء أية ملاحظات.

أشتكى الأهالي ممن قابلهم فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان من الآثار النفسية التي تتركها القذائف العشوائية، والأصوات المزلزلة التي تنتج عنها، والاهتزازات التي تحدث للمنازل وتهشم نوافذه. قال أحد الآباء: إن أطفالي يعيشون بفزع، أحدهم أصبحت لديه حالة نفسية، إذ يبكي بشدة كلما سمع أصواتًا مرتفعة. 

وفي واقعة أخرى حدثت بتاريخ 2020.06.18، سقطت قذيفة عشوائية في فناء منزل يعود لأسرة من عائلة "النصايرة" في حي الحمايدة بالشيخ زويد. ولم تسجل خسائر بشرية في الواقعة نتيجة لعدم انفجار القذيفة.

أفاد شاهد عيان تحدث لفريق المؤسسة، بإن القذيفة سقطت بعد منتصف الليل، محدثة صدى ارتطام قوي، لكن لم يتبين حقيقة السبب سوى في الصباح عند اكتشاف مكان القذيفة بين الأحراش المجاورة للبيت.

قال أحد سكان الحي في مقابلة مع فريق المؤسسة، إن دورية للجيش حضرت وعاينت موقع القذيفة، ثم قامت بتحديد مكانها بحجارة ووضع أحراش كعلامة تحذيرية، وعندما طلب الأهالي رفعها، رفضوا ذلك متعللين بعدم وجود خبير للمتفجرات في صفوفهم، لتبقى بين البيوت السكنية لمدة 5 أيام، ثم رُفعت ونقلت إلى داخل معسكر الزهور الأمني.

 

كما وثقت مؤسسة سيناء بتاريخ 2020.06.20، سقوط قذيفتين بالقرب من مساكن في حي ”الكوثر“ بـ"الشيخ زويد“، ولم تسجل وقوع إصابات في الحادثة لتواجد الساكنين في مكان آخر لحظة الحادثة. أفاد ثلاثة من سكان الحي في شهادتهم لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن القذيفتين سقطتا في مزرعة مملوكة لأسرة من عائلة "النصايرة"، المجاورة لمستشفى ”الشيخ زويد“ العام، مؤكدين عدم تسجيل إصابات بشرية نظرًا لعدم انفجار القذيفتين.

ب- تدمير الأعيان المدنية

وثقت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان تدمير مدرسة على يد الجيش المصري غرب مدينة العريش، دون تقديم بديل للسكان، مما يهدد إمكانية حصول أولادهم على حقهم في التعليم ويعرضهم لخطر الحرمان منه.

يُعد ”الحق بالتعليم“ أحد الحقوق التي اجتمع على ذكره وتأكيده الدستور المصري والقوانين والمعاهدات الدولية، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في تاريخ 2020.06.20، انتهى الحال بمدرسة ”تجمع الكيلو 8“ الابتدائية، غرب مدينة العريش، إلى الدمار والخروج عن الخدمة، بعد قيام عناصر من الجيش بتفجيرها بما تضمّه من محتويات، بزعم أن ”عناصر تكفيرية“ قد تعتليها وتستخدمها في تنفيذ هجمات نحو الكمائن القريبة، كما حدث سابقًا.

كشف شاهد عيان من سكان التجمع لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن 5 آليات عسكرية تابعة للجيش، وصلت بعد الظهر إلى المدرسة المكونة من طابقين، وأحاطت بها، ثم قام بعض أفراد الجيش بمعاينة المدرسة، وزرعت المتفجرات في أركانها. وأضاف بأنه طلب من الأهالي الابتعاد عن المدرسة، وأطلق الجنود الأعيرة النارية في الهواء وفي اتجاه جنوب التجمع أثناء تواجدهم بالمكان، ثم سرعان ما قاموا بتفجير المدرسة التي تهدمت بالكامل بما فيها من محتويات، لافتًا إلى أن الأهالي يتداولون فيما بينهم تخصيص منزل بشكل تطوعي ليكون بديلًا عن المدرسة خلال العام الدراسي الجديد.

أوضح موظف في مديرية التربية والتعليم لفريق مؤسسة سيناء، أن من المعتاد إبلاغ الإدارات التعليمية بحالات التفجير والإصابات جراء القذائف على أنها نتاج لأعمال مجهولين، وتحرص السلطات على عدم ذكر وقائع الحادثة في التقارير الرسمية المتداولة في الإدارات والهياكل ذات العلاقة، مشيرًا إلى أن طلاب المدارس التي تخرج من الخدمة يتم غالبًا ضمهم لأقرب مدرسة عاملة بجوارهم، أو اعتماد خيار الأهالي بتوفير منزل أهلي بديل بشكل تطوعي.

ج- الحرمان وتعويق الحصول على العمل بقرار تمييزي

تحظر مبادئ العدالة والشرائع النافذة أية قرارات تقوم على أساس تمييز هوياتي أو جنسي أو مناطقي، كما ضمنت القوانين للأشخاص حقهم باختيار عملهم وفق شروط عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة.

في تاريخ 2020.06.05، ألغت السلطات المحلية المسؤولة عن بحيرة "البردويل" موعد افتتاح موسم الصيد فيها دون تحديد وقت آخر لذلك، والتي كان من المقرر أن تنطلق في 1 مايو وحتى 30 ديسمبر، ثم حددت إدارة البحيرة لاحقًا يوم 5 يونيو للبدء في ذلك؛ لكن السلطات عادت لتجدد قرار منع الصيد ولكن هذه المرة إلى أجل غير مسمى. ليجتمع بذلك قرار منع الصيد في البحيرة إلى جانب قرار منعه في سواحل شمال سيناء أيضا، والذي ما زال ساريًا منذ تاريخ فرضه في فبراير 2018، فهو من آثار العمليات العسكرية الشاملة التي انطلقت في ذات التاريخ وما زالت سارية حتى الآن، والتي حولت مئات الأسر التي تمتهن الصيد إلى أسر مُعدمة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار تقوم الحكومة بتطبيقه على أساس تمييزي مناطقي، فهو يشمل منع صيادي محافظة شمال سيناء فقط، في حين أن صيادي المحافظات الأخرى يستطيعون الصيد بكل حرية على سواحل شمال سيناء وبدون وجود أية عوائق.

2- انتهاكات تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش

اختطاف السكان والزج بهم في الصراع والاستيلاء على أموالهم

تأكدت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان من ارتكاب انتهاك من ”داعش“ بحق عدد من السكان المحليين في سيناء. يُعد التنظيم أحد الأطراف الفاعلة في الصراع بسيناء، وهو يمارس سيطرة فعلية متقطعة على بعض المناطق في شمالي شبه الجزيرة، نتج عنها جرائم جسيمة في حق السكان المحليين، من بينها عمليات إعدام خارج نطاق القانون وتعذيب وإخفاء قسري، يلزم القانون الدولي الإنساني جميع الأطراف المتنازعة، بما فيها الجماعات المسلحة، بوجوب الحفاظ على المدنيين وعدم استخدامهم في الصراع.

في تاريخ 2020.06.25، استولى عناصر من ”ولاية سيناء“، على 5 سيارات، ربع ونصف نقل، محملة ببضائع متنوعة أغلبها مواد غذائية، في منطقة "الشيخي" أثناء توجههم نحو قرية "البرث"، جنوب "رفح".

ووفقًا لتاجر من مدينة الشيخ زويد تحدث لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، فإن عناصر التنظيم المتشدد، وبعد تفريغ السيارات بأكملها في موقع صحراوي بالقرب من قرية "الطويل"، هددوا سائقي الشاحنات بقتلهم وقطع رؤوسهم إن قاموا بنقل البضائع إلى قرية "البرث"، بزعم أن أهاليها موالون للجيش ويشاركون في محاربتهم عبر التشكيلات غير النظامية التابعة لـ“اتحاد قبائل سيناء“.

أوضح أشخاص من "العريش" و"الشيخ زويد"، أنهم تعرضوا لتهديدات من التنظيم أثناء انتقالهم بسياراتهم إلى القرية المذكورة، وأن القوات الأمنية قامت بتوجيههم بالسير في طريق مغلق طوال العامين الماضيين يمتد من منطقة "الحفن" إلى "البرث"، ويعتقد أن الطريق غير آمن، بسبب مروره بمناطق تضم جيوبًا ومخابئ لـ“ولاية سيناء“.

التوصيات:

1- للحكومة المصرية:
أ. إجراء تحقيقات شفافة في الوقائع التي كان فيها عناصر من الجيش والقوات الأمنية أطرافًا فيها، وأدت إلى وقوع ضحايا من المدنيين وأضرار في الأعيان المدنية.
ب. فك القيود التمييزية وغير القانونية على الأنشطة التجارية وأعمال الصيد والتنقل في سيناء، وتقديم تعويضات عاجلة وعادلة للسكان الذين تضرروا منها.
ج. الامتثال لمبادئ القانون الإنساني الدولي من قبل أفراد الجيش والقوات الأمنية هو أساس مهم يضمن المهنية في أداء أعمالهم، ينبغي تعليم وتدريب الضباط والجنود العسكريين على هذه القواعد من خلال المناهج في الأكاديمية العسكرية والدورات التدريبية الأخرى.  

2- إلى جميع أطراف النزاع، بمن فيهم مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء":
أ.اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وفقًا للقانون الإنساني الدولي، أثناء أي حملات عسكرية برية وجوية.
ب. في المناطق التي يصبح فيها طرف غير حكومي في النزاع بمثابة القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع، ينبغي اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية حقوق جميع السكان دون تمييز، وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين.



مقالات متعلقة