img
تقرير حقوقي بأبرز الانتهاكات التي جرت بالأسبوع الثالث من شهر يوليو في سيناء

الملخص:

أوقعت هجمات دامية نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء" خسائر فادحة في صفوف المدنيين والقوات الأمنية، وتركزت الاشتباكات في قرى مأهولة تتبع لمركز بئر العبد في شمالي سيناء، مما أفضى إلى تسجيل أضرار كبيرة على عدة أصعدة، ومنها نزوح جماعي قسري للأهالي للنجاة بحياتهم. كما طالت هجمات داعش لتشمل عددًا من المراكز صحية.

 

تفاصيل الانتهاكات:

2020.07.21

شنّ عناصر تنظيم ”الدولة الإسلامية في سيناء“ هجومًا على معسكر ونقاط أمنية تابع للجيش المصري في قرية رابعة التابعة لمركز بئر العبد غربي سيناء. ووفقًا لشاهد عيان من سكان القرية تحدث لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، فإن الهجوم، الذي وقع بالقرب من البيوت والمناطق المدنية، بدأ بسيارتين مفخختين واشتباك مسلح، أفضى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

تحدث باحثو ”مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان“ لعدد من سكان قرية رابعة، قال أحد شهود العيان والذي يبعد منزله عن معسكر الجيش نحو 150 مترًا، يعيش فيه مع زوجته وأولاده: ”كنت في المنزل وفجأة سمعت أصوات إطلاق الرصاص ثم انفجارين متتالين تسببا في اهتزاز المنزل وتحطيم النوافذ، استجمعت شجاعتي وخرجت بحذر لاستطلاع ما حدث، شاهدت أفرادًا يرتدون ملابس نصفها عسكرية والآخر ملابس مدنية، معظمهم ملثمين، يحملون أسلحة خفيفة، ويركضون بين المنازل ويطلقون الرصاص نحو المعسكر. كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا في الاتجاهين، وازددنا رعبًا بعد سماعنا لأصوات طائرات حربية في الأجواء ، نحن نعلم أن تدخل الطائرات يعني أن بيوتًا بأكملها سيتم تسويتها بالأرض“.

تحدث أحد سكان القرية للفريق الميداني للمؤسسة، فقال: ”كنت أنا وأسرتي نتلو الشهادتين استعدادًا للموت في أية لحظة جراء الاشتباكات والقصف“، ظللنا محاصرين قرابة ساعة ونصف شعرنا خلالها اننا رهائن، بعد أن انتهت الأحداث ”خرجنا لاستكشاف ما حدث، كانت واجهات البيوت والمحلات مدمرة، علمت بعد فترة عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وأن طبيب القرية هو من قام بإسعافهم بسبب عدم وصول سيارات إسعاف إلى القرية ، وانتظروا إلى صباح اليوم التالي لنقلهم إلى مستشفى بئر العبد“.

قال صاحب محل تجاري يقع بالقرب من معسكر الجيش: واجهة محلي دمرت بالكامل، ومعظم مقتنياتي تعرضت للتلف، الانفجار وما تلاه من اشتباكات دمرت أكثر من 10 محال تجاري، والعديد من السيارات.

فيما روت لنا سيدة وأم لعدة أطفال، أنها وأسرتها رحلوا عن قرية رابعة إلى بئر العبد، بعد التجربة المرعبة التي عاشتها، وأضافت: ”اعتقدت أن النهاية حلّت بنا، أصوات الانفجارات والرصاص والقصف أوصلتنا إلى نتيجة أننا ميتون لا محالة، احتميت وأبنائي بمطبخ المنزل، ومن شدة صعوبة الأحوال انفجر الأطفال يبكون بشكل هستيري، عشت وقتًا لا يمكن أن أنساه أبدًا“.

أشار شهود عيان متفرقين إلى مقتل أحد المدنيين، ويدعى "أشرف سالم عامر"، 52 عام، مرجحين قيام عناصر التنظيم بقتله أمام منزله بسبب اعتراضه على صعودهم فوق سطح بنايته، لإستهداف مواقع الجيش.

حصلت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لاحقاً على بيانات من مستشفى "بئر العبد" العام، والتي كشفت أن الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف السكان المحليين في قرية رابعة بلغت مقتل شخص وإصابة 3 أخرين، وعلى النحو التالي:

 مقتل:

 أشرف عامر سالم، البالغ من العمر 52 عاماً، على إثر إصابته بأعيرة نارية

 إصابة:

  • إيمان نصار سالم، 19 عامًا، شظايا في الرأس.

  • هالة مقبل هجرس، 46 عامًا، عيار ناري في منطقة الفخذ.

  • عيد محمد عيد، 33 عامًا، عيار ناري في منطقة الفخذ.

جدير بالذكر أن تقرير المستشفى والإفادات الرسمية المرتبطة به لم تشر إلى سبب وقوع ذلك، وهي ممارسة اعتادت السلطات تطبيقها لتجنّب تقييد ذلك في السجلات الرسمية مما يؤدي لحرمان الضحايا من الحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي تصيبهم.

 

 

تداعيات الهجوم:

بعد تنفيذ عناصر تنظيم ”الدولة الإسلامية في سيناء“ لهجومهم، انسحبوا باتجاه مناطق محيطة بقرية “رابعة“، وهي قرى ”قاطية“، و“إقطية“، و“المريح“، و“الجناين“، تقع في جنوب وجنوب شرق القرية التي وقع فيها الهجوم، ويقطنها بنحو 8895 نسمة موزعة على البيوت والمناطق الزراعية المتناثرة، بعضهم نازحون قدموا إليها من قرى مركز الشيخ زويد ورفح بعد تصاعد الاشتباكات العسكرية بين عناصر التنظيم والجيش، أو تعرض مناطقهم لعمليات قصف عشوائي. 

 

بعد مرور ساعتين تقريبًا على الهجوم، وأثناء انسحاب عناصر "داعش" من قرية "رابعة" تجاه الجنوب؛ أفاد شاهد عيان أن الطيران الحربي تعقب سيارة تحمل عناصر تابعة للتنظيم في قرية "الجناين". أضاف أحد سكان القرية لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: رأيت سيارة نصف نقل تقل في الخلف 5 مسلحين دخلت إلى القرية توقفت بجوار منزل كان ساكنوه قد ذهبوا عند جيرانهم في ذلك اليوم ولم يكن أحد في داخله لحظة الواقعة، وهو يتبع للمواطن/ بُرهم سالم حسين إبراهيم، وبينما كان الطيران الحربي يحلق في الجو؛ يبدو أن المسلحين لاحظوا أن الطائرة تتعقبهم فخرجوا منها في محاولة للهرب؛ في هذه اللحظات أطلقت الطائرة صاروخًا أصاب السيارة وأدى لتدمير جزء كبير من المنزل؛ وأضاف شاهد العيان: أن الانفجار تسبب في إصابة عنصر واحد فقط من المسلحين حمله رفاقه وانسحبوا به تجاه الجنوب. تأكد فريق المؤسسة أنه لم يتم تعويض أصحاب المنزل حتى الآن.

 

منزل برهم سالم حسين

 

فوجئ سكان قرية "قاطية" بإنتشار عشرات المسلحين داخل القرية قادمين في سيارات نصف نقل ودراجات نارية وسيراً على الأقدام،  قاموا برفع علم تنظيم "داعش" في ميدان القرية الرئيسي، وأقاموا مستشفى ميداني داخل المدرسة الثانوية الزراعية بالقرية، قال لنا أحد شهود العيان: قام التنظيم بمصادرة عدة سيارات مملوكة لمدنيين بالقوة؛ إحدى هذه السيارات هي ملك لأحد أفراد عائلتي ويدعى "صباح منصور نصر"، أوقفه مسلحون وأنزلوه منها رغماً عنه"، واستخدمها عناصر التنظيم لمدة ساعة ثم تركوها قرب ميدان القرية الرئيسي لتقوم طائرة دون طيار بقصفها لاحقًا.

تحدث الينا مواطن نزح قسراً من إحدى قرى جنوب رفح عام 2015، ثم أقام في قرية ”قاطية“، إلى أن سبب خروجه وآخرين من قرية ”قاطية“ هم عناصر التنظيم المتشدد، حيث قدموا إليها على متن سيارات ربع نقل ودراجات نارية، تلاهم وصول أصوات طائرات حربية حلّقت في السماء. أضاف إلينا متحدثًا: ”علمنا أننا أمام خيار صعب لا مفر منه، علينا الرحيل على وجه السرعة قبل أن يبدأ القصف الجوي، خرجت مسرعًا مع عائلتي تاركًا خلفي جميع ممتلكاتي، ومشينا مسرعين على الأقدام لمسافة 3 كم باتجاه قرية رابعة“. ”في اليوم التالي رجعت منفردًا إلى القرية لجلب السيارة والمواشي ، و لكن عند البيت اعترضنى عنصر من "داعش" و امرني بان اعطيه مفاتيح السيارة ، و لولا انى استعطفته أنها مصدر رزقي الوحيد، فقال سنعيدها لك بعد ساعة ونصف، وبالفعل أعادوها، كانت أرضية الصندوق مغطاة بالدماء، ويبدو أنهم استخدموا السيارة لنقل جرحاهم لمستشفى، حاولت بعد ذلك أخذ المواشي إلا أنهم منعوني“.

شهادات أخرى للسكان كشفت بأن عناصر التنظيم المتطرف حاولوا التقرب من السكان المحليين، إذ خيّروهم في مغادرة القرية أو البقاء والاستعداد لأيام صعبة قادمة، كما عرضوا على أصحاب المواشي شرائها منهم أو تركها مع أعلاف كافية لرعايتها. هذه المحاولة لم تجدِ نفعًا، إذ خرج معظم الأهالي خوفًا على حياتهم، وفي أذهانهم مرارة ذكريات ما جرى لأهالي قرى في الشيخ زويد ورفح، من عمليات ذبح وقتل لأفراد زعم عناصر ”ولاية سيناء“ أنهم يتعاونون مع الأمن.  

يغيب عن هذه الأحداث الساخنة الدور الحكومي والجهد الإغاثي للمنظمات، إذ اقتصرت جهود الإغاثة وسد احتياجات النازحين على أهالي القرى المجاورة، تحدث سائق سيارة ربع نقل من قرية ”رمانة“ لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أنه قام وبمساعدة آخرين بنقل أهالي قرية ”رابعة“ والمناطق المحيطة إلى أماكن أكثر أمنًا، مضيفًا أن أن الجهات الحكومية لم توفر أية وسائل نقل لإخلاء النازحين. فيما أشار إلى قيامه بنقل عائلة إلى أقارب لهم في قرية ”جلبانة“ تبيّن أنهم كانوا قد نزحوا مسبقًا من جنوب الشيخ زويد.

أقدم عناصر من تنظيم "داعش" في سيناء على حرق مركز شباب "إقطية"، والذي يطلق عليه مركز شباب "الشهيد أحمد المنسي". أفاد شهود عيان من القرية إلى أنهم قاموا برفع علم التنظيم أمام المركز، ثم استولوا على المستلزمات الطبية في الوحدة الصحية بقريتي "إقطية" و"قاطية".

تعتبر الوحدات الصحية والمستشفيات والدوائر الرسمية غير الأمنية أهدافًا سهلة تستخدمها الأطراف المتنازعة لغرض تنفيذ هجمات عليها أو تدميرها كنوع من فرض الهيمنة وكسر هيبة الطرف الآخر، لكنها تؤدي كنتيجة إلى تعميق الأزمات التي يعيشها المواطن. تفرض قواعد القانون الدولي العرفي حماية للوحدات الصحية والطبية سواء أكان ذلك في نزاع مسلح دولي أو غير دولي. يؤكد البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف 1977 في المادة 11-1 على وجوب حماية واحترام وحدات ووسائل النقل الطبي، وألا تكون محلاً للهجوم.

تفاعل حكومي متأخر:

بعد مرور 5 أيام بالغة الصعوبة على الأهالي في قرية ”رابعة“ وقرى وتجمعات ”قاطية“ و“إقطية“ و“المريح“ و“الجناين“، غاب عنها تواجد المسؤولين الحكوميين، عقد اللواء ”محمد عبد الفضيل شوشة“، محافظ شمال سيناء“، اجتماعًا في مقر الديوان العام بالعريش، تبعد نحو 130 كم عن القرى المتضررة، خلص إلى تشكيل لجنة تحصر الأضرار التي لحقت بممتلكات الأهالي، إلا أنها لم تباشر عملها بسبب تواجد عناصر التنظيم في المناطق المشار إليها.

يُعتبر القرار الحكومي بتشكيل اللجان لتعويض المتضررين من الأحداث في سيناء، أمرًا غير مشجع، بل يعتبره السكان طريقًا لترك لإهمال الحقوق وتفريطًا بها، إذ يتندر السكان المحليون فيما بينهم بعبارة "إذا أرادت الحكومة أن تدفن قضية، فإنها تشكل لها لجنة"، فالتجارب السابقة التي لمسوها في أحداث نزوح سكان الشيخ زويد ورفح التي جرت في 2014 وما تلاها، يشتكي أصحابها إلى أنهم لم يستلموا أية تعويضات حتى الآن!.

انتهاكات لمبادئ العدالة:

كثيرًا ما تقع مثل هذه الأحداث في سيناء، وباتت منذ سنوات حالة شبه معتادة، مما تسبب في تعميق الأزمة التي يعيشها الأهالي.

يُعد تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء" أحد أطراف النزاع التي أوغلت في التنكيل بالمدنيين وتحويل حياتهم إلى حالة لا تطاق، فهو لا يتورع عن القيام بعملياته الوحشية بين الأعيان المدنية و بجوار المناطق السكنية، كما أنه كثيرًا ما وجه عمليات عنف إلى السكان المحليين بدعاوى وحجج واهية أدت إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، الحالة التي دفعت العديد من السكان إلى النزوح قسرًا إلى مناطق أكثر أمانًا حفاظًا على حياتهم.

بوصفه شريكًا وسببًا فيما آلت إليه الأحوال الإنسانية في سيناء، وبمثابة القوة الحاكمة في بعض أجزائها، ينبغي على تنظيم "داعش" الابتعاد عن المناطق المدنية في هجماته، وعدم استخدام الأعيان المدنية كغطاء في تنفيذ هجماته، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين دون تمييز، وضمان عدم تعرضهم لانتهاكات تخالف القانون الإنساني الدولي. 

تمنع الحكومة المصرية عمل منظمات الإغاثة المحلية والدولية في المحافظة، ومن بينها الهلال الأحمر، ويصاحب عمل الصحفيين والهيئات الإعلامية قيودًا كثيرة تجعل من المعلومات المتاحة عن الأحداث والتفاعل معها شبه نادر، في مخالفة صريحة لجميع الصكوك المعنية بتنظيم النزاعات المسلحة -الدولية وغير الدولية- خصوصًا اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس 1949 وفي وبروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 يونيو 1977، إذ يُعد مبدأ "على أطراف النزاع أن تقبل عمليات إغاثة السكان المدنيين ذات الطابع الإنساني غير المتحيز وغير التمييزي" أحد قواعد السلوك المهمة بصورة خاصة والمطبقة في كل النزاعات المسلحة.

أدى مستوى العنف غير المسبوق، والاشتباكات بين أطراف النزاع، إلى تحويل مساحات واسعة من سيناء إلى مناطق مهجورة وهياكل مدمرة، وانتهى الحال بها لتكون بيئة طاردة للحياة، كما دفع الكثير من السكان ليصبحوا نازحين يتنقلون بين منطقة وأخرى دون جهود حكومية تعوّضهم عن ما فقدوه أو تعينهم على الاستقرار في أماكن أخرى، وقد ارتبط الإجبار على النزوح أو النزوح القسري بسيناء بالنزاع المسلح الجاري طويل الأمد، إلا أن ذلك لا يعفي السلطات المصرية المختصة من أداء دورها، إذ شددت المادة 1\6 من "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن التشريد الداخلي"، على أن لكل إنسان الحق في الحماية من أن يُشّرد تعسفًا من مسكنه، أما في المادة 1\28 فقد بيّنت أن على عاتق السلطات المختصة في المقام الأول، واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخليا من العودة، آمنين مكرمين إلى ديارهم، ثم أشارت في المادة 29\2 أن عليها مساعدتهم وتقديم التعويض المناسب.

تفرض الاتفاقيات الدولية والعرفية المنظمة للنزاعات المسلحة على الحكومة المصرية، وجوب توفير الحماية الكافية للسكان المحليين، لممارسة حياتهم اليومية، والحفاظ على الحقوق الأساسية لهم، وهي حقوق ليس من الجائز الانتقاص منها، وتحظر استخدام عمليات القصف العشوائي أو القصف الذي لا يفرق بين أهداف عسكرية وأعيان مدنية، وقد عبّر بوضوح البروتوكول الإضافي الأول من اتفاقية جنيف لعام 1977 في المادة 51 الفقرة 4 عن حظر صريح للهجمات العشوائية.

 

 

 

 

 



مقالات متعلقة