قرار رئاسي خطير "يُؤبّد" حالة الطوارئ في شمال سيناء
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان اليوم إن قرارا أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 2 أكتوبر 2021 يعد بمثابة تأبيد لحالة الطوارئ المفروضة في شمال سيناء بلا انقطاع منذ سبع سنوات. يختلف القرار نوعيا عن القرارات السابقة بتمديد حالة الطوارئ في سيناء، حيث يبدو أنه أول تفعيل للمادة 53 من قانون 2015 لمكافحة الإرهاب التي تسمح لرئيس الجمهورية اتخاذ ما يراه من تدابير استثنائية لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد وذلك بمعزل عما إذا كانت حالة الطوارئ قائمة أم لا.
نص القرار رقم 442 لسنة 2021 على منح صلاحيات واسعة غير مسبوقة لوزير الدفاع، أي عمليا للضباط على الأرض، تُجهض عمليا كافة الحقوق الأساسية للمواطنين، من بينها حظر التجوال، الإخلاء القسري، الاستيلاء على الممتلكات وحظر وسائل الاتصال والتنقل. سيمكن القرار وزارة الدفاع وضباطها على الأرض من اتخاذ قرارات رهن الإشارة بدلا من أن تكون تلك الإجراءات الاستثنائية الخطيرة صادرة بموجب قوانين يصدرها رئيس الوزراء أو الرئيس نفسه، ويُمكن الرقابة عليها ولو شكليا.
نشرت الجريدة الرسمية القرار الرئاسي في عددها الصادر في 2 أكتوبر، ووافق مجلس النواب المصري على القرار في جلسة 4 أكتوبر بلا أي تعديل أو مناقشة تذكر.
قال أحمد سالم مدير مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان:
"قرار الرئيس السيسي بمنح وزير الدفاع صلاحيات تعسفية واسعة بلا سقف زمني واضح هو شرعنة و تأبيد لحالة الطوارئ والإجراءات الاستثنائية في شمال سيناء، و ينفي أي نية لدى السلطات في إعادة الحياة لطبيعتها حتى مع تراجع وانحسار الأعمال العسكرية. الجميع يعرف إن شمال سيناء هي منطقة عسكرية مغلقة، لكن هذا القرار يمنح الجيش حق الحكم فيها مدى الحياة."
تشمل التدابير الاستثنائية الواردة في القرار مايلي:
1 - حظر التجوال.
2 - تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.
3 - إخلاء بعض الأماكن أو المناطق.
4 - حظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على أماكن معينة.
5 - حظر استخدام وسائل اتصال معينة، أو غيرها من تقنيات البحث عن الأشخاص والمنشآت أو منع إحرازها وحيازتها بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة.
6 - حظر حيازة أو إحراز الأسلحة النارية المرخص بحيازتها أو إحرازها.
7 – حظر حيازة أو إحراز أجزاء الأسلحة النارية وكاتمات أو مخفضات الصوت والتلسكوبات المعدة للتركيب للأسلحة النارية.
8 - حظر سير الدراجات البخارية ومركبات الدفع الرباعي أيا كان نوعها.
9 - تعطيل الدراسة جزئيا أو كليا بالمدارس.
10 حظر استخدام المواطنين والأجانب لطائرات الدرون سواء بتصريح أو بغير تصريح.
11- حظر تداول المواد ثنائية الاستخدام والتي تستخدم في صناعة المواد المتفجرة.
كما يُمكن لمحافظ شمال سيناء إعلان تعليق الدراسة.
يبدو إن القرار 442 هو أول تفعيل للمادة 53 المُسيئة في قانون 2015 لمكافحة الإرهاب والتي تنص على أنه لرئيس الجمهورية "متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قراراً باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام" وذلك لمدة لا تجاوز 6 أشهر قابلة للتمديد دون أي سقف زمني. وتنص المادة على أنه ينبغي عرض تلك التدابير على مجلس النواب خلال سبعة أيام.
فرض الرئيس السيسي حالة الطوارئ في شمال سيناء في أكتوبر 2014 بعد هجوم كبير شنه مسلحو ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس سابقا) على كمين كرم القواديس والذي أدى لمقتل عشرات من قوات الجيش. منذ ذلك الحين دأبت الحكومة على تجديد حالة الطوارئ وحظر التجوال المفروض في أغلب المناطق المأهولة في شمال سيناء، كان آخرها في يوليو 2021 وفقا لقرار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي رقم 1663 لسنة 2021. ورغم إعلان حالة الطوارئ في كافة محافظات الجمهورية منذ أبريل 2017 إلا أن حالة الطوارئ المفروضة في شمال سيناء اختلفت جذريا، حيث شملت عمليات واسعة للتهجير القسري ونزع ملكية الآلاف من المنازل والمحال التجارية بإشراف الجيش، وفي أحيان كثيرة بلا أي قرارات رسمية توضح أسباب التهجير. كما شملت حالة الطوارئ هناك حظرا للتجوال يشمل نحو 12 ساعة يوميا وتوقف مظاهر الحياة من الزراعة والصيد ومصادر الرزق.
وكانت القرارات السابقة بتمديد حظر التجوال في شمال سيناء تصدر استنادا لقانون الطوارئ كل ثلاثة أشهر وتستخدم ذات النص تقريبا في كل مرة، إلا أنها على الأقل كانت تنص على إنهاء حظر التجوال في حال انتهى إعلان حالة الطوارئ دون تمديد. حيث إنه وفقا للدستور لا يجوز إعلان حالة الطوارئ إلا لمدة ثلاثة أشهر مع إمكانية تجديدها. إلا أن قرار الرئيس السيسي 442 لا يربط الإجراءات الاستثنائية بإعلان حالة الطوارئ على الإطلاق، بل لم يذكر قانون الطوارئ في ديباجة القرار.
يفتئت قانون مكافحة الإرهاب المصري وكذلك قانون الطوارئ على العديد من الحقوق الأساسية والضمانات. مصر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يُلزم الحكومات ضمان أن لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. وجاء في العهد الدولي أن: "لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه". كما أن على مصر التزام قانوني بضمان أن: "لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته".
كما يُلزم القانون الدولي الحكومات أن يكون أي فرض لأي إجراءات استثنائية هو وضع يتناسب مع الخطر الذي يواجهه، ومبرر ومحدد بنطاق زمني وجغرافي معين لا يتم توسيعه أو تجديده بلا مسببات واضحة، وأن تخضع كافة القرارات لإشراف قضائي مستقل.
قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إن القرار 442، فضلا عن كونه ينتهك المعايير والضوابط المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر فيما يخص إعلان حالة الطوارئ والتدابير الاستثنائية، فهو قرار تعتريه شبهة عدم دستورية واضحة. حيث إن المادة 53 منحت رئيس الجمهورية وحده حق اتخاذ تلك التدابير مع تحديد مكانها وتوقيتها ولم تنص على إمكانية تفويض تلك الصلاحيات الخطيرة لأي مسؤول حكومي آخر. وذلك بعكس قانون الطوارئ لسنة 1954 والذي نصت مادته الـ 17 على إمكانية تفويض رئيس الجمهورية لبعض اختصاصاته الواردة في القانون لمن ينوب عنه.
قال سالم:
"يتسم قرار الرئيس السيسي بإجراءات سلطوية شديدة تقوض الحقوق الأساسية، ويقول بوضح إن وضع سيناء كمعسكر أمني كبير أصبح واقعا من المستبعد أن يتغير حتى وإن تحسنت الظروف الأمنية."