img
أبرز الانتهاكات التي ارتكبت في شهر يوليو بسيناء

”اعتقدت أن النهاية حلّت بنا، أصوات الانفجارات والرصاص والقصف أوصلتنا إلى نتيجة أننا ميتون لا محالة، احتميت وأبنائي بمطبخ المنزل، ومن شدة صعوبة أصوات الرصاص والانفجارات دخل الأطفال في نوبة بكاء هستيري، عشت وقتًا لا يمكن أن أنساه أبدًا طوال حياتي“.

  • جزء من شهادة قدمتها إحدى الأمهات من سكان قرية "رابعة" تحدث فيها عن الهجمة الدامية التي قام بها عناصر تنظيم "داعش" ضد معسكر للجيش يقع فيها.

ملخص

وثقت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان وقوع انتهاكات جسيمة في حق المدنيين في شمالي سيناء، إذ رصدت في شهر يوليو مستويات عنف مرتفعة وخطيرة، أبرزها ما وقع في قرية "رابعة "والقرى الأخرى التي انضمت إليها لاحقًا، والتي شهدت هجمة لمسلحي "داعش" ضد معسكر للجيش المصري، نفذوها عبر تفجير سيارتين مفخختين تلتها اشتباكات مسلحة وعمليات قصف جوي حوّلت القرية إلى ساحة حرب، سقط على إثر ذلك عدد من المدنيين ونَزَحَ معظم الأهالي.

تمكن فريق مؤسسة سيناء من الحديث مع عدد من السكان المجاورين للمعسكر محل الهجوم، وصاحب محل تجاري، كما تحدثت مع مصادر طبية، وكلهم أفادوا بشهادات تعزز الأثر الذي تتركه ممارسات "داعش" في سيناء، إذ ساهم بتحويل مساحات واسعة من سيناء إلى مناطق مهجورة وهياكل مدمرة وبيئة طاردة للحياة ينزح منها أهلها قسرًا، وتُعد أحداث قرية "رابعة" أنموذجًا لشكل النزاع الذي لا يتورع فيه مسلحي التنظيم عن استهداف المدنيين والأعيان المدنية جنبًا إلى جنب في هجماته نحو المقاتلين.

كما تابع فريق الرصد بالمؤسسة، قيام الجيش المصري بهجمات عشوائية وتدمير أعيان مدنية، وتجاهل السلطات الرسمية لدورها في حفظ حقوق النازحين قسرًا.

 

انتهاكات شهر يوليو

1- انتهاكات الحكومة المصرية

أ- الهجمات العشوائية ضد المدنيين

حظر القانون الإنساني الدولي استخدام الأسلحة ذات الاستهداف العشوائي التي من شأنها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين. كما حظر الاستهداف المتعمد للمدنيين في الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وإن انتهاك هذا الفرض يُعرض الجهات المسؤولة للمقاضاة حسب القانون العرفي الدولي. وعلى أطراف النزاع واجب التمييز في جميع الأوقات بين الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال العدائية والسكان المدنيين. وكانت محكمة العدل الدولية قد أقرت في رأيها الاستشاري في 8 يوليو 1996 بأن "مبدأ التمييز" تجاه الأهداف هو مبدأ "قطعي" للقانون الدولي العرفي. 

في حادثين منفصلين وقعا في تاريخ 2020.07.26، أفاد اثنين من شهود العيان  تحدثا إلى فريق المؤسسة بإصابة المواطن "علي سالم محمد أبو عبيد"، البالغ من العمر 45 عامًا، من قرية "رابعة"، بعيار ناري مصدره قوة من الجيش متمركزة جنوب قرية رابعة، تطابقت راوية الشاهدين أن المصاب لم يكن يمثل أي تهديد أمني للقوات وأنهما لم يلاحظا أي اشتباكات أو أي تواجد لعناصر من داعش في المكان. كما أوضح الينا مصدر طبي أن المواطن المذكور يعاني من إعاقة ذهنية. 

كما أدى قصف جوي لسيارة مدنية إلى إصابة مواطنين اثنين، وهما كل من "سالم سلامة أحمد شبانة"، 44 عامًا، أدت لبتر إحدى قدميه، وتهتك في عظام الأخرى، في حين أصيب المواطن "أحمد سلامة سالم شبانة"، 35 عامًا، بإصابات طفيفة ومتوسطة في أنحاء الجسم، و أن ادارة المستشفى في وجود لعناصر من الشرطة ألزمت أقارب الضحايا بالتوقيع على وثائق رسمية وفقًا لمصادر طبية.

لم يعلن الجيش المصري عن هاتين الحادثتين بشكل رسمي، لا تعترف قوات إنفاذ القانون المصرية بوقوع ضحايا جراء هذا النوع من القتل الخطأ في معظم الحالات، وتقيّد الجهات الإدارية والطبية والسلطات الأمنية في تقاريرها أن أسباب وقوع إضرار جراء هذه الأعمال يعود لأسباب مجهولة، مما يحمي السلطات المسؤولة من أية محاسبة أو تعويض مستحق للضحايا.

ب- العقاب الجماعي ونزع الملكية والإجلاء القسري

 تضفي التشريعات الدولية الناظمة للسلوك في أثناء النزاعات حماية خاصة للأعيان المدنية، ويعتبر إجبار السكان على التخلي عن أملاكهم جريمة يحاسب عليها القانون، وفي مناطق النزاعات تعد الهجمات المتعمدة أو العشوائية أو غير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية محظورة، بما يشمل هدم بيوت السكان، في غياب ضرورة عسكرية مُلزمة بالهدم.

في يوم 2020.07.04، أصيب 6 مجندين على إثر تعرض عربتهم العسكرية إلى انفجار عبوة ناسفة أثناء مرورها من قرية السكادرة، التي تخلو من السكان بعد نزوحهم منها قسرًا خلال شهر رمضان الماضي الموافق ابريل/مايو 2020.

قال أحد سائقي سيارات الأجرة الذين يتحركون بالمنطقة في مقابلة مع مؤسسة سيناء: "شاهدت في اليوم التالي للانفجار دورية عسكرية وصلت للقرية وقامت بتفجير البيوت غير المأهولة التي تقع في محيط المكان الذي انفجرت فيه العبوة الناسفة، ولم نتمكن من معرفة عدد البيوت التي تعرضت للتفجير"، لكن ثلاثة شهود عيان من السكان المحليين بـمدينة"الشيخ زويد" ذكروا لنا أن أصوات الانفجارات لم تنقطع في القرية لعدة أيام مع تصاعد دخان أبيض منها، وهو مشهد اعتاده السكان عند قيام قوات الجيش بزرع عبوات داخل المنازل والمباني لتفجيرها.

كشف لنا أحد السكان المحليين الذين أجبروا على النزوح قسرًا من قرية "السكادرة" في مقابلة مع فريق المؤسسة: أن خلال شهري أبريل ومايو الماضيين لم تسمح القوات الأمنية لأحد بالبقاء في القرية، وأن عملية التهجير المنظمة التي جرت سبقها تضييق في سبل العيش، إذ قطعت الكهرباء عن القرية مراراً لفترات طويلة، ثم بدأت القذائف تسقط بشكل عشوائي على القرية ومحيطها، الأمر الذي عجّل برحيل الأهالي للنجاة بأرواحهم. 

اتفقت شهادة اخرى لشاهد عيان مع الشهادة السابقة، إلى أن عمليات نسف وهدم البيوت بدأت مباشرة عقب خلو القرية من ساكنيها، وانطلقت بمزاعم انفجار عبوة ناسفة على عربة عسكرية داخل المنطقة، إذ بدأ الجيش بهدم وإزالة البيوت المحيطة بالانفجار أولًا، ثم اتسع ذلك ليشمل مواقع عدة؛ و أن سكان مدينة الشيخ زويد القريبة من قرية السكادرة يسمعون بشكل شبه يومي أصوات تفجيرات المنازل وارتفاع أعمدة الدخان جراء عمليات الهدم والتجريف المتسارعة بالقرية.

تُعد قرية "السكادرة" واحدة من القرى التابعة لمركز "الشيخ زويد"؛ تقع السكادرة خارج المنطقة العازلة التي  إذ تبعد قرابة ١٦ كم عن الحدود مع قطاع غزة؛ ويبلغ عدد سكانها نحو 3000 نسمة وفقًا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2016؛ وقد نزح سكانها قسراً بسبب العمليات العسكرية وتحولت إلى مناطق تضم هياكل بيوت شبه محطمة وفارغة جراء الأعمال العسكرية.

يُعد النزوح القسري من شمال سيناء أحد أبرز الظواهر المأساوية فيها، وقد نتج بعد معاناة بالغة الشدة عاشها السكان المحليون جراء الصراع العنيف والانتهاكات الجسيمة لحقوقهم، وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة. بموجب المبادئ التوجيهية التي أعدتها الأمم المتحدة بشأن "التشريد الداخلي"، فإن على الحكومة المصرية التزام قانوني بمعاملة "المشردين داخليًا" على "قدم المساواة التامة، بنفس ما يتمتع به الأشخاص الآخرون في البلد من حقوق وحريات بموجب القانون الدولي والمحلي، كما يقع على عاتقها واجب ومسؤولية توفير الحماية والمساعدة الإنسانية للمشردين داخليًا، وتوفير المأوى والمسكن الأساسي لهم مهما كانت الظروف.

في يوم 2020.07.14، نفذت الجهات المختصة التابعة لمحافظة "الإسماعيلية" حملة إزالات للبيوت والهياكل البسيطة الواقعة في منطقة "7 كيلو" التابعة لها، والتي يقطنها مئات الأسر النازحة قسرًا من مركز "رفح"، شمالي سيناء.

أوضح أحد أهالي مركز "رفح" لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن هذه الحملة التي رافقتها قوة أمنية، أزالت البيوت بدعوى أنها شيّدت في منطقة غير مصرح بها، وأن تصنيفها قانونًا هي أراضي زراعية وليست سكنية، مشيرًا إلى أن عمليات الهدم شملت البيوت الخالية والمحلات التجارية، ومنح ساكنو البيوت مهلة لتوفيق أوضاعهم وفقًا للقانون، وهو أمر مستحيل تنفيذه إداريًا ما لم تتدخل السلطات العليا في ذلك.

 

 

وهو ما دفع المحامي من "رفح"، "أحمد العسكري"، لكتابة مناشدة وجهها إلى رئاسة الجمهورية يطلب فيها اتخاذ قرار يسمح بتوفيق أوضاع النازحين نظرًا لظروفهم الاستثنائية.

أحد هؤلاء النازحين تحدث في مقابلة مع مؤسسة سيناء: أن عدد الأسر التي نزحت من مركز رفح واستقرت في تلك المنطقة يبلغ عددها نحو 700 أسرة، بما يعادل 3000 مواطن تقريبًا، وبيّن أن القوة الأمنية التي رافقت الحملة قامت بتوقيف عدد من الأهالي، وحررت في حقهم محاضر تعدي وتجاوز على الأراضي الزراعية، دون الأخذ في عين الاعتبار ظروفهم بالغة الصعوبة، وما سببه ذلك لهم في استمرار معاناتهم التي بدأت منذ أن هدمت بيوتهم في "رفح" و أرغموا على الرحيل منها. وأضاف بأن البيوت التي شيّدوها في هذه المنطقة مكونة من هياكل بسيطة، بعضها يسمى محليًا بـ"العشش"، وأخرى تتكون من سقوف معدنية "ألواح صاج"، وهو ما يشير إلى حالة الفقر والعوز التي تعيشها هذه العوائل، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة محل الحادثة ورغم أنها مصنّفة على أنها أراضي زراعية، إلا أنها غير مستغلة زراعيًا وهو ما جعلها رخيصة الثمن نسبيًا قياسًا بالمناطق الأخرى. وختم حديثه بالقول: "ما ذنب أطفالنا أن يبدؤا حياتهم من هدم إلى هدم، ومن نزوح إلى آخر، سواء في رفح أو بالإسماعيلية".

وحسب شاهد عيان من السكان المحليين، فإن وجهاء من أهالي "رفح" تدخلوا متوسطين لدى الجهات المختصة في "الإسماعيلية" لوقف عمليات الهدم والإفراج عن المحتجزين، وهو ما حدث فعلًا، إلا أن سيف الإزالة لا يزال قائمًا مع كل حملة موسعة يتم إطلاقها دون أي تقدير لظروف النازحين.

اشتكى أحد النازحين من المعاملة غير المنصفة واللاانسانية التي يواجه بها النازحون من مناطق شمال سيناء، إذ كشف أن حملة الإزالة هذه هي عقاب جماعي للمرة الثانية السكان السابقين لـ"رفح"، موضحًا أن هناك العديد من العوائل التي تقطن معهم في المنطقة وضعوا كل مدخراتهم وما يملكون في تأسيس هذه البيوت ومن بعد هدمها اصبحوا مشردين تماما، وتساءل باستغراب: "هل القانون يلاحقنا فقط دون غيرنا"؟! 

وقد سجّل فريق الرصد والتوثيق بمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان وقوع حملات هدم وإزالة سابقة لذات الخلفية، شملت مناطق النازحين في "أبو طفيلة" و"الكيلو 17" في محافظة الإسماعيلية، وقد جرت بأوقات متفرقة في شهر أكتوبر من العام 2018 و2019، وكذلك خلال شهري فبراير ويوليو من العام الجاري.

وفقاً لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2016، فإن مركز "رفح" الحدودي يضم نحو 77,206 نسمة، موزعين على 11 قرية، وهي "أبو شنار، والمطلة، والحسينات، والخرافين، والوفاق، والطايره، والمهدية، ونجع شبانة، وجوز أبو رعد، والكيلو 21، والبرث". جميع هذه القرى تخلو تمامًا من السكان عدا الأخيرة.

بدءاً من أكتوبر 2014 تم ترحيل سكان مدينة رفح وهدم منازلهم لاقامة "المنطقة العازلة" التي تمتد لمسافة 5 كم داخل عمق الأراضي المصرية و تحاذي الحدود المشتركة مع قطاع غزة، واستمرت عمليات التهجير القسري حتى عام 2018 حيث تم إجبار من تبقى من السكان على النزوح بفعل سياسات العقاب الجماعي التي زادت حدتها مع انطلاق العملية الشاملة "سيناء ٢٠١٨".

 قامت الحكومة بصرف تعويضات مالية لبعض المدنيين المهجرين بينما لم يتقاضى معظمهم أية تعويضات بعد رحيله بخمس سنوات رغم وعود الحكومة المصرية ، بينما رحل بقية السكان الذي لا يقيمون داخل حدود المنطقة العازلة بسبب سقوط القذائف والإطلاقات العشوائية وانقطاع سبل الحياة الكريمة في المنطقة بعد اشتداد الاشتباكات بين الجيش المصري و"داعش" وتحوّل مناطق سكناهم إلى ساحة حرب، ولم يخصص لهؤلا أية تعويضات مالية.

2- انتهاكات تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش

أ. هجمات دامية وسط مناطق آهلة بالسكان

لن يستطيع سكان قرى "رابعة" و"قاطية" و"إقطية" و"المريح" و"الجناين"، التابعة لمركز "بئر العبد" في شمالي سيناء، نسيان ما مروا به من أحداث مروعة ومشاهد بالغة القسوة. إذ شهدوا على هجوم دامي نفذه مسلحي "داعش" من وسط شوارع وأزقة القرى الآهلة بالسكان، مستخدمين أسلحة تولّد قوى تفجيرية هائلة غير قادرة على التمييز بين المدنيين والعسكريين، تلتها اشتباكات بين الطرفين ثم لحقها قصف جوي.

يُعد تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء" أحد أطراف النزاع التي أوغلت في التنكيل بالمدنيين، فهو لا يتورع عن القيام بعملياته الوحشية بين الأعيان المدنية و المناطق السكنية، كما أنه كثيرًا ما وجه عمليات عنف إلى السكان المحليين بدعاوى وحجج واهية، الحالة التي دفعت العديد من السكان إلى النزوح قسرًا إلى مناطق أكثر أمانًا حفاظًا على حياتهم.

بوصفه شريكًا وسببًا فيما آلت إليه الأحوال الإنسانية في سيناء، وبمثابة القوة الحاكمة في بعض أجزائها، ينبغي على تنظيم "داعش" الابتعاد عن المناطق المدنية في هجماته، وعدم استخدام الأعيان المدنية كغطاء في تنفيذ هجماته، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين دون تمييز، وضمان عدم تعرضهم لانتهاكات تخالف القانون الإنساني الدولي.

وفي تفاصيل هذه الواقعة، التي حدثت بتاريخ 2020.07.21، فقد شنّ عناصر تنظيم ”الدولة الإسلامية في سيناء“ هجومًا على معسكر ونقاط أمنية تابع للجيش المصري في قرية "رابعة". ووفقًا لشاهد عيان من سكان القرية تحدث لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، فإن الهجوم الذي وقع بالقرب من البيوت والمناطق المدنية، بدأ بسيارتين مفخختين واشتباك مسلح، أفضى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

تحدث باحثو ”مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان“ لعدد من سكان قرية "رابعة"، قال أحد شهود العيان والذي يبعد منزله عن معسكر الجيش نحو 150 مترًا، يعيش فيه مع زوجته وأولاده: ”كنت في المنزل وفجأة سمعت أصوات إطلاق الرصاص ثم انفجارين متتالين تسببا في اهتزاز المنزل وتحطيم النوافذ، استجمعت شجاعتي وخرجت بحذر لاستطلاع ما حدث، شاهدت أفرادًا يرتدون ملابس نصفها عسكرية والآخر ملابس مدنية، معظمهم ملثمين، يحملون أسلحة خفيفة، ويركضون بين المنازل ويطلقون الرصاص نحو المعسكر. كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا في الاتجاهين، وازددنا رعبًا بعد سماعنا لأصوات طائرات حربية في الأجواء ، نحن نعلم أن تدخل الطائرات يعني أن بيوتًا بأكملها سيتم تسويتها بالأرض“.

تحدث أحد سكان القرية للفريق الميداني للمؤسسة، فقال: ”كنت أنا وأسرتي نتلو الشهادتين استعدادًا للموت في أية لحظة جراء الاشتباكات والقصف“، ظللنا محاصرين قرابة ساعة ونصف شعرنا خلالها اننا رهائن، بعد أن انتهت الأحداث ”خرجنا لاستكشاف ما حدث، كانت واجهات البيوت والمحلات مدمرة، علمت بعد فترة عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وأن طبيب القرية هو من قام بإسعافهم بسبب عدم وصول سيارات إسعاف إلى القرية ، وانتظروا إلى صباح اليوم التالي لنقلهم إلى مستشفى "بئر العبد“.

قال صاحب محل تجاري يقع بالقرب من معسكر الجيش: واجهة محلي دمرت بالكامل، ومعظم مقتنياتي تعرضت للتلف، الانفجار وما تلاه من اشتباكات دمرت أكثر من 10 محال تجاري، والعديد من السيارات.

فيما روت لنا سيدة وأم لعدة أطفال، أنها وأسرتها رحلوا عن قرية رابعة إلى بئر العبد، بعد التجربة المرعبة التي عاشتها، وأضافت: ”اعتقدت أن النهاية حلّت بنا، أصوات الانفجارات والرصاص والقصف أوصلتنا إلى نتيجة أننا ميتون لا محالة، احتميت وأبنائي بمطبخ المنزل، ومن شدة صعوبة الأحوال انفجر الأطفال يبكون بشكل هستيري، عشت وقتًا لا يمكن أن أنساه أبدًا“.

أشار اثنين من شهود العيان إلى مقتل أحد المدنيين، ويدعى "أشرف سالم عامر"، 52 عام، مرجحين قيام عناصر من تنظيم داعش بقتله بسبب محاولته منع عناصر التنظيم من اعتلاء سطح أحد البنايات لاستهداف مواقع للجيش؛ حاول بعض الجيران إسعاف "أشرف" من خلال نقله بصعوبة بالغة لأحد أطباء القرية بسبب الاشتباكات، لم يتمكن الطبيب من تقديم المساعدة اللازمة ونصح بنقله فوراً للمستشفى، لم تتمكن سيارات الإسعاف من الدخول لقرية رابعة حتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء " حيث ظل اشرف ينزف لمدة عشر ساعات قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة.

حصلت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لاحقاً على بيانات من مستشفى "بئر العبد" العام، والتي كشفت أن الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف السكان المحليين في قرية "رابعة" تمثلت في مقتل شخص وإصابة 3 أخرين، على النحو التالي:

 مقتل:

 أشرف عامر سالم، البالغ من العمر 52 عاماً، على إثر إصابته بأعيرة نارية

 إصابة:

  • إيمان نصار سالم، 19 عامًا، شظايا في الرأس.

  • هالة مقبل هجرس، 46 عامًا، عيار ناري في منطقة الفخذ.

  • عيد محمد عيد، 33 عامًا، عيار ناري في منطقة الفخذ.

جدير بالذكر أن تقرير المستشفى والإفادات الرسمية المرتبطة به لم تشر إلى سبب وقوع ذلك، وهي ممارسة اعتادت السلطات تطبيقها لتجنّب تقييد ذلك في السجلات الرسمية مما يؤدي لحرمان الضحايا من الحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي تصيبهم.

تداعيات هجوم "داعش" على معسكر قرية "رابعة":

بعد تنفيذ عناصر تنظيم ”الدولة الإسلامية في سيناء“ لهجومهم، انسحبوا باتجاه مناطق محيطة بقرية “رابعة“، وهي قرى ”قاطية“، و“إقطية“، و“المريح“، و“الجناين“، تقع في جنوب وجنوب شرق القرية التي وقع فيها الهجوم، ويقطنها بنحو 8895 نسمة موزعة على البيوت والمناطق الزراعية المتناثرة، بعضهم نازحون قدموا إليها من قرى مركز الشيخ زويد ورفح بعد تصاعد الاشتباكات العسكرية بين عناصر التنظيم والجيش، أو تعرض مناطقهم لعمليات قصف عشوائي.

بعد مرور ساعتين تقريبًا على الهجوم، وأثناء انسحاب عناصر "داعش" من قرية "رابعة" تجاه الجنوب؛ أفاد شاهد عيان أن الطيران الحربي تعقب سيارة تحمل عناصر تابعة للتنظيم في قرية "الجناين". أضاف أحد سكان القرية لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان: رأيت سيارة نصف نقل تقل في الخلف 5 مسلحين دخلت إلى القرية توقفت بجوار منزل كان ساكنوه قد ذهبوا عند جيرانهم في ذلك اليوم ولم يكن أحد في داخله لحظة الواقعة، وهو يتبع للمواطن/ بُرهم سالم حسين إبراهيم، وبينما كان الطيران الحربي يحلق في الجو؛ يبدو أن المسلحين لاحظوا أن الطائرة تتعقبهم فخرجوا منها في محاولة للهرب؛ في هذه اللحظات أطلقت الطائرة صاروخًا أصاب السيارة وأدى لتدمير جزء كبير من المنزل؛ وأضاف شاهد العيان: أن الانفجار تسبب في إصابة عنصر واحد فقط من المسلحين حمله رفاقه وانسحبوا به تجاه الجنوب. تأكد فريق المؤسسة أنه لم يتم التواصل مع أصحاب المنزل حتى الآن بخصوص تعويضات محتملة.

فوجئ سكان قرية "قاطية" بإنتشار عشرات المسلحين داخل القرية قادمين في سيارات نصف نقل ودراجات نارية وسيراً على الأقدام،  قاموا برفع علم تنظيم "داعش" في ميدان القرية الرئيسي، وأقاموا مستشفى ميداني داخل المدرسة الثانوية الزراعية بالقرية، قال لنا أحد شهود العيان: قام التنظيم بمصادرة عدة سيارات مملوكة لمدنيين بالقوة؛ إحدى هذه السيارات هي ملك لأحد أفراد عائلتي ويدعى "صباح منصور نصر"، أوقفه مسلحون وأنزلوه منها رغماً عنه"، واستخدمها عناصر التنظيم لمدة ساعة ثم تركوها قرب ميدان القرية الرئيسي لتقوم طائرة دون طيار بقصفها لاحقًا.

تحدث الينا مواطن نزح قسراً من إحدى قرى جنوب رفح عام 2015، ثم أقام في قرية ”قاطية“، إلى أن سبب خروجه وآخرين من قرية ”قاطية“ هم عناصر التنظيم المتشدد، حيث قدموا إليها على متن سيارات ربع نقل ودراجات نارية، تلاهم وصول أصوات طائرات حربية حلّقت في السماء. أضاف إلينا متحدثًا: ”علمنا أننا أمام خيار صعب لا مفر منه، علينا الرحيل على وجه السرعة قبل أن يبدأ القصف الجوي، خرجت مسرعًا مع عائلتي تاركًا خلفي جميع ممتلكاتي، ومشينا مسرعين على الأقدام لمسافة 3 كم باتجاه قرية رابعة“. ”في اليوم التالي رجعت منفردًا إلى القرية لجلب السيارة والمواشي ، و لكن عند البيت اعترضنى عنصر من "داعش" و امرني بان اعطيه مفاتيح السيارة، و لولا انى استعطفته أنها مصدر رزقي الوحيد، فقال سنعيدها لك بعد ساعة ونصف، وبالفعل أعادوها، كانت أرضية الصندوق مغطاة بالدماء، ويبدو أنهم استخدموا السيارة لنقل جرحاهم لمستشفى، حاولت بعد ذلك أخذ المواشي إلا أنهم منعوني“.

شهادات أخرى للسكان كشفت بأن عناصر التنظيم المتطرف حاولوا التقرب من السكان المحليين، إذ خيّروهم في مغادرة القرية أو البقاء والاستعداد لأيام صعبة قادمة، كما عرضوا على أصحاب المواشي شرائها منهم أو تركها مع أعلاف كافية لرعايتها. هذه المحاولة لم تجدِ نفعًا، إذ خرج معظم الأهالي خوفًا على حياتهم، وفي أذهانهم مرارة ذكريات ما جرى لأهالي قرى في الشيخ زويد ورفح، من عمليات ذبح وقتل لأفراد زعم عناصر ”ولاية سيناء“ أنهم يتعاونون مع الأمن.  

يغيب عن هذه الأحداث الساخنة الدور الحكومي والجهد الإغاثي للمنظمات، إذ اقتصرت جهود الإغاثة وسد احتياجات النازحين على أهالي القرى المجاورة، تحدث سائق سيارة ربع نقل من قرية ”رمانة“ لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أنه قام وبمساعدة آخرين بنقل أهالي قرية ”رابعة“ والمناطق المحيطة إلى أماكن أكثر أمنًا، مضيفًا أن أن الجهات الحكومية لم توفر أية وسائل نقل لإخلاء النازحين. فيما أشار إلى قيامه بنقل عائلة إلى أقارب لهم في قرية ”جلبانة“ تبيّن أنهم كانوا قد نزحوا مسبقًا من جنوب الشيخ زويد.

أقدم عناصر من تنظيم "داعش" في سيناء على حرق مركز شباب "إقطية"، والذي يطلق عليه مركز شباب "الشهيد أحمد المنسي". أفاد شهود عيان من القرية إلى أنهم قاموا برفع علم التنظيم أمام المركز، ثم استولوا على المستلزمات الطبية في الوحدة الصحية بقريتي "إقطية" و"قاطية".

تعتبر الوحدات الصحية والمستشفيات والدوائر الرسمية غير الأمنية أهدافًا سهلة تستخدمها الأطراف المتنازعة لغرض تنفيذ هجمات عليها أو تدميرها كنوع من فرض الهيمنة وكسر هيبة الطرف الآخر، لكنها تؤدي كنتيجة إلى تعميق الأزمات التي يعيشها المواطن. تفرض قواعد القانون الدولي العرفي حماية للوحدات الصحية والطبية سواء أكان ذلك في نزاع مسلح دولي أو غير دولي. يؤكد البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف 1977 في المادة 11-1 على وجوب حماية واحترام وحدات ووسائل النقل الطبي، وألا تكون محلاً للهجوم.

تفاعل حكومي متأخر:

بعد مرور 5 أيام بالغة الصعوبة على الأهالي في قرى ”رابعة“ و ”قاطية“ و“إقطية“ و“المريح“ و“الجناين“، غاب عنها تواجد المسؤولين الحكوميين، عقد اللواء ”محمد عبد الفضيل شوشة“، محافظ "شمال سيناء“، اجتماعًا في مقر الديوان العام بالعريش، تبعد نحو 130 كم عن القرى المتضررة، خلص إلى تشكيل لجنة لحصر الأضرار التي لحقت بممتلكات الأهالي، إلا أنها لم تباشر عملها بسبب تواجد عناصر التنظيم في المناطق المشار إليها.

يُعتبر القرار الحكومي بتشكيل اللجان لتعويض المتضررين من الأحداث في سيناء، أمرًا غير مشجع، بل يعتبره السكان طريقًا لإهمال الحقوق وتفريطًا بها، إذ يتندر السكان المحليون فيما بينهم بعبارة "إذا أرادت الحكومة أن تدفن قضية، فإنها تشكل لها لجنة"، فالتجارب السابقة التي لمسوها في أحداث نزوح سكان "الشيخ زويد" و"رفح" التي جرت في 2014 وما تلاها، يشتكي كثير من أصحابها إلى أنهم لم يستلموا أية تعويضات حتى الآن!.

ب- القتل خارج نطاق القانون

تابعت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ارتكاب مسلحي داعش عدة جرائم جسيمة في حق المدنيين. يعتبر تنظيم "ولاية سيناء" أحد الأطراف التي تمارس أعمال عنف شديد تجاه السكان المحليين، وتُعد عمليات الإعدام والقتل خارج نطاق القانون أفعالاً متكررة استخدمها تنظيم داعش كسلوك منتظم له بقصد الانتقام أو الترويع أو التنكيل أو تحقيق مكاسب عسكرية. وبوصفه أحد طرفي النزاع المسلح الدموي في سيناء يلزمه القانون الإنساني الدولي بوجوب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وهو مبدأ أساسي يبقى نافذًا مهما كانت طبيعة الصراع والأطراف المنخرطة به، وهو ما أكدته المادة 48 من الملحق الأول الإضافي لاتفاقية جنيف 1977.

في الصباح الباكر ليوم 2020.07.04، تسللت مجموعة مسلحة إلى قرية الجورة، الواقعة في جنوب مركز الشيخ زويد بحوالي 7 كم، وقتل 3 أفراد من سكانها، وهم كل من: القاضي العرفي "سلامة أبو معيوف البالي" 58 عام ، و "محمود محمد خضر سالمان" 54 عام موظف في الضرائب العقارية، وولده الطالب في الثانوية الأزهرية وإمام صلاة الفجر في مسجد القرية الرئيسي "محمد" 16 عام.

 

أفاد شاهد عيان لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، بأن أشخاصًا مثلمين يحملون أسلحة رشاشة، يرجح انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء"، أحاطوا بمنزل "سلامة" وأطلقوا النار عليه، وعلى إثر ذلك صدرت صرخات من سيدات دفعت الجيران وسكان القرية، ومنهم  "محمود" ونجله "محمد"، للخروج مسرعين باتجاه بيت القاضي يتبينوا ما حدث، فأردوهم على الفور.

أوضح لنا أحد شبان القرية ساهم في محاولة اسعاف الضحايا، بأن سبب استهداف منزل القاضي العرفي يرجع الى تعاون أحد أبناء القاضي مع الأجهزة الأمنية ضد التنظيم المتشدد، وأن المحاسب وولده كانوا مدنيين غير مسلحين و انهم حاولا انقاذ القاضي ومنع المسلحين من قتله؛ كما أكد لنا أربعة مدنيين من سكان القرية تحدثوا إلينا أن الضحايا من المدنيين ولم ينتموا يوما الى أي مجموعة مسلحة.

وعن دور القوات الأمنية المتواجدة داخل ارتكاز كبير في وسط قرية الجورة، أكد لنا شهود العيان من السكان المحليين ؛ عن تقاعسهم في أداء واجبهم وتلبية نداءات الاستغاثة التي وجهها لهم الأهالي فور دخول المسلحين، إذ اشترطوا المشاركة بـ"تمشيط القرية بالأعيرة النارية بشكل عشوائي" وهو ما رفضه السكان بسبب الخسائر البشرية التي يمكن أن ينتج عنها ذلك.

أوضح سكان من القرية، أن الأهالي هم من نقلوا جثث القتلى إلى مستشفى الشيخ زويد بواسطة سيارة ربع نقل أهلية، ثم إلى مستشفى العريش، لعدم وصول سيارة إسعاف للمنطقة، ثم جرى دفنهم في مقبرة قرية الجورة، بعد 3 أيام من الواقعة. 

وصف أحد المشاركين بالجنازة في حديثه لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن المشهد كان حزينًا جدًا، فالشاب القتيل "محمود" كان معروفًا في القرية بحسن خلقه ودوره في مسجد القرية الرئيسي، وأنه كان يستعد صباح يوم الهجوم لأداء اختبارات في الشهادة الثانوية الأزهرية أمام لجنة بمدينة الشيخ زويد. 

وفي واقعة أخرى حدثت بتاريخ 2020.07.06، عثر أهالي قرية "أبو طويلة"، التابعة لمركز "الشيخ زويد"، على رأس بدون جسد، يعود للمواطن "عيد جمعة العرجاني"، البالغ من العمر 47 عامًا، وهو شقيق رجل الأعمال "إبراهيم جمعة العرجاني"، الداعم لكيان "اتحاد قبائل سيناء"، والذي يعمل بدعم رسمي من القوات الأمنية على محاربة عناصر تنظيم داعش في سيناء.

تحدث فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إلى إثنين من أقارب القتيل، كما تواصل أيضاً مع ثلاثة من سكان القرية، اتفقت شهادات الجميع على أن "عيد العرجاني" اُختطف من مزرعته الكائنة في قرية "أبو طويلة"، وبعد ساعات عُثر على رأسه بالقرب من مسجد "المكرفي" وأنه مدني ليس له علاقة بالأحداث الأمنية التي تجري في المنطقة، مؤكدين أنه لم يكن منتميًا إلى "اتحاد قبائل سيناء" ولم يكن يحمل سلاحًا. اتفقت المصادر الميدانية أن ليس هناك سببًا واضحًا لقتله، إلا أنهم رجحوا سبب قتله هو علاقة القربى بينه وبين شقيقه فقط.

تشير وقائع الجريمة إلى أن الفاعل من المرجح أن يكون تنظيم داعش في سيناء، والذي أعتاد على تنفيذ جرائم قتل بذات الأسلوب. ووفقًا لعشرات الحالات السابقة، التي ذهب ضحيتها مدنيين، فإن أسلوب وطريقة الذبح ثم رمي الرأس فقط، أو الجثة بدون رأس، أو وضعهما في مناطق متفرقة، هي فعل انفرد به التنظيم المتوحش لمعاقبة من يراهم أعداء له، وهي جرائم منظمة نفذها على نطاق ممنهج ومستمر في حق المدنيين، كأعمال قتل متعمدة وغير قانونية ترقى إلى منزلة جرائم ضد الإنسانية بمقتضى القانون الدولي الإنساني.

ج- الاختطاف والإخفاء القسري

يحظر القانون الإنساني الدولي أعمال الاختطاف والاختفاء القسري الممنهجة، وينص إعلان الأمم المتحدة بشأن الاختفاء القسري، المعتمد بالإجماع، على أن الاختفاء القسري يشكل انتهاكًا لجملة من الحقوق منها الحق في الاعتراف بالشخص أمام القانون، والحق في الحرية والأمن الشخصي، والحق في عدم إخضاعه للتعذيب، والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة وأنه ينتهك الحق في الحياة أو يشكّل تهديدًا خطيرًا له، كما اعتبره النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنه "جريمة ضد الإنسانية".

وقد اعتاد تنظيم "داعش" في سيناء على اختطاف المواطنين وتغيبهم لمدد طويلة، كأعمال ممنهجة يهدف من خلالها لفرض هيمنته ومعاقبة كل من يعتبره يقف إلى جانب السلطات المصرية. خلال هذا الشهر، تثبت فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان من وقوع حوادث اختطاف بحق عدد من المدنيين قام بها عناصر تنظيم "داعش" في سيناء، إذ أقدم بتاريخ 2020.07.24 على اختطاف عدة مدنيين من قرى "قاطية" و"إقطية" و"المريح"، التابعة لمركز "بئر العبد".

تحدثت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان مع أحد أقارب المواطن المختطف "محمد حسن شبانة"، والذي قال: "تم ايقاف "الحاج/ محمد" بينما كان يمر بسيارته على ارتكاز أمني أقامه التنظيم بالقرب من قرية "قاطية"، ثم طلب المسلحين بطاقته الشخصية للتحقق من هويته، وعندما رأوا فيها أنه كان في السابق يعمل موظفًا مدنيًا في وزارة الداخلية اعتقلوه وصادروا سيارته، ومنذ ذلك الحين لم نعرف عنه أي شيء". ولم يتسنى للمؤسسة الحصول على مزيد من المعلومات أو معرفة مصير المختطفين.

د- هجمات عشوائية لا تميّز بين الأهداف

يكرّس القانون الإنساني الدولي مبادئ عدة على أطراف النزاع في وجوب النأي عن استهداف أو تعريض المدنيين للخطر، كما حظر استخدام الهجمات والأسلحة عشوائية الاستهداف التي لا تفرّق بين أهداف مدنية وعسكرية، ومنها العبوات الناسفة والألغام الأرضية، وذلك في المادة 4/51 من الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977.

في تاريخ 2020.07.26، كشف مصدر طبي وشهود عيان لمؤسسة سيناء عن إصابة 3 مواطنين، من بينهم طفل، إصابات مختلفة جراء انفجار عبوة ناسفة، من مخلفات هجوم تنظيم "داعش" الذي وقع يوم 21 يوليو، قرب معسكر للجيش في قرية "رابعة". 

وتعرض للإصابة كل من:

1- "أحمد محمد متعب"، البالغ من العمر 9 أعوام. 

2- “أشرف السيد الحدق"، البالغ من العمر 27 عام.

3- "سامح السيد الحدق"، البالغ من العمر 24 عام.

هـ- تدمير الأعيان المدنية

يحمي القانون الإنساني الدولي الأعيان المدنية، حيث ورد في المادة 52 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، بأن الأعيان المدنية يجب أن لا تكون محلًا للهجوم أو لهجمات الردع. كما وصفت الأعيان المدنية بأنها كافة الأعيان التي ليست أهدافًا عسكرية، كما أشارت المادة 53 من نفس الوثيقة إلى وجوب حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة أو الآثار التاريخية ومنعت ارتكاب أعمال عدائية ضدها نظرًا لأهميتها في تشكيل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.

في تاريخ 2020.07.22 قام عناصر من تنظيم "ولاية سيناء" بتفجير ضريح "الشيخ أبو كتان"، وهو ضريح غير مشهور يقع في قرية "إقطية" وليس لصاحب هذا القبر قيمة روحية وليس له أتباع او مريدين حسبما أفاد شهود عيان تحدثوا لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.

سبق لتنظيم "داعش" أن قام بأعمال مماثلة، منها تفجير ضريح الشيخ زويد في المدينة؛ وهاجم في عام 2016 ضريحي "شميعة" و"صبيحة" في قرية مزار غرب العريش، كما اختطف عددًا من رموز الطرق الصوفية في 2017، وقام بإعدام وذبح آخرين.

التوصيات:

1- للسلطات المصرية:
أ. ينبغي إجراء تحقيقات مستقلة وعاجلة تليها محاكمات عادلة بحق أفراد القوات الأمنية والعسكرية المتورطين في الانتهاكات.
ب. يتعين تثقيف العسكريين وأفراد الأمن على مبادئ حقوق الإنسان وضمان تأهيلهم وتدريبهم حول أسس القانون الإنساني الدولي وانصياعهم لها كجزء من واجباتهم المهنية.
ج. يجب أن يمتد الإشراف القضائي ليشمل جميع التدابير الأمنية، مما يفرض تعديل قانون الطوارئ، لإزالة الصلاحيات غير الخاضعة للرقابة وغير الدستورية الممنوحة لقوات إنفاذ القانون.
د. إنشاء آلية تعويض مناسبة للمتضررين من حملات الإخلاء القسري والتشريد الداخلي، وتقديم بدائل لائقة وضمان عدم تمييزهم في تلبية حقوقهم.

2- إلى جميع أطراف النزاع، بمن فيهم مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء":
أ. اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وفقًا للقانون الإنساني الدولي، أثناء أي حملات عسكرية برية وجوية.
ب. في المناطق التي يصبح فيها طرف غير حكومي في النزاع بمثابة القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع، ينبغي اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية حقوق جميع السكان دون تمييز وضمان تلبية جميع الاحتياجات الأساسية للمدنيين.



الكلمات المفتاحية


مقالات متعلقة