img
أبرز الانتهاكات التي وقعت في شهر نوفمبر بسيناء

"احنا مش عارفين بيحموا مين بالضبط، هل بيحموا أنفسهم ولا القرية! ، ليش تاركين جنوب القرية دون تأمين و قاعدين في وسط الأهالي وسط القرية، بنقول لهم خطر المسلحين يأتي من جنوب القرية مش من وسطها، لكن كلامنا لا يعجبهم و ينهرون من يقدم لهم النصيحة".

  •  أحـد السـكان المحلييـن بقريـة الروضـة التابعة لمركز بئر العبد.

الملخص

رغم انخفاض مستوى العنف بين الأطراف المتنازعة في مناطق محافظة شمال سيناء خلال هذا الشهر، إلا أن نوفمبر لم يخلُ من وقوع 10 انتهاكات وثقتها مؤسسة سيناء، 5 منها قامت بها قوات إنفاذ القانون المصرية، و4 منها قام بها تنظيم داعش في سيناء، وأخرى لم تتوصل المؤسسة إلى الجهة المتسببة به.

شملت انتهاكات السلطات المصرية تدمير أعيان مدنية في نطاق "رفح" و"الشيخ زويد"، وإيقاعها لعقوبات جماعية بحق السكان المحليين مركز "بئر العبد" على إثر اختطاف مواطن مسيحي على يد مسلحين يرجح أنهم من داعش، إضافة إلى تقاعسها عن أداء الواجبات المنوطة بها تجاه العائدين إلى منازلهم بعد رحلة النزوح القسري منها، واستمرار التضييق على الحياة اليومية للمواطنين وتصعيب سُبل العيش الكريم على أساس تمييزي جغرافي غير قانوني، والتستر بالأعيان المدنية في قرية "الروضة" التابعة لـ"بئر العبد"، إضافة إلى إطلاق النار العشوائي من الكمائن والذي أفضى إلى إصابة طفلة في الثاني عشر من عمرها.

أما تنظيم داعش، فقد أقدم خلال هذه الفترة على اختطاف 3 مواطنين، أحدهما مسيحي الديانة، في حادثين منفصلين، كما أقدم على استهداف أنبوب للغاز الطبيعي في منطقة "بئر العبد"، وتسببت متفجرات وأجسام غريبة يرجح أن التنظيم زرعها بإصابة طفل في قرية "المريح".

كما وثقت المؤسسة مقتل مدني بالقرب من مطار العريش، في إطلاق نار عشوائي لم يُعرف مصدره ولا الجهة صاحبة المسؤولية.

خلال هذه الفترة، التقت المؤسسة مع 19 من شهود العيان وأقرباء الضحايا والسكان المحليين، الذين كانوا على تماس مع الأحداث الواردة في التقرير.

تفاصيل انتهاكات شهر نوفمبر

أ- انتهاكات السلطات وقوات إنفاذ القانون المصرية

1- تدمير أعيان مدنية في نطاق "رفح" و"الشيخ زويد"

يُضفي القانون الإنساني الدولي على الأعيان المدنية حماية من الهجمات والاستهداف غير المبرر، ويؤكد على وجوب احترامها في كافة الأوقات، بما في ذلك فترات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي، ووفقًا للمادة 52 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، فإن الأعيان المدنية يجب أن لا تكون محلاً للهجوم أو لأفعال انتقامية ورادعة. يشمل مصطلح "الأعيان المدنية" المناطق، والبلدات، والمدن، والقرى، والمناطق السكنية، والبيوت والأبنية، والمدارس، والمراكز والوحدات الصحية، وأماكن العبادة والآثار التاريخية، والمراكز الثقافية، والبيئة الطبيعية، والمحلات التجارية، والمساحات الزراعية، وما في حكمها.

استمرت أعمال تفجير وإزالة المنازل خارج نطاق المنطقة العازلة مع قطاع غزة، غربي مدينة "رفح" بواسطة حملات أمنية من قوات الجيش معززة بدبابات ومدرعات، في عمل منهجي لم ينقطع خلال أكتوبر الماضي ووثقنا في مؤسسة سيناء عبر صور حصرية حصلنا عليها، القوات العسكرية المشاركة في حملات تدمير وإزالة الأعيان المدينة.

 

 

رصد فريق المؤسسة استمرار قيام قوات تابعة للجيش المصري بحملات هدم وتجريف لمنازل ومزارع المدنيين النازحين بسبب العمليات العسكرية في مناطق واقعة خارج نطاق المنطقة العازلة التي أقامتها السلطات المصرية على الحدود مع قطاع غزة.

رصد فريقنا الميداني إستمرار عمليات الهدم المتسارعة للشهر الثالث على التوالي في مناطق الوفاق والمطلة والحسينات والخرافين بشكل شبه يومي، وقد حصلنا على صور حصرية من هذه المناطق لعمليات تفجير وتجريف المنازل التي ينفذها الجيش المصري.

ووفقاً لشهادة أحد السكان، مقيم في حي "الكوثر" بمدينة "الشيخ زويد"، والذي ذكر أن بيتاً مهجوراً مكون من طابق واحد تعرض للتفجير على يد قوة من الجيش في تاريخ 2 نوفمبر، وأن البيت يقع غرب مستشفى "الشيخ زويد العام" في طريق قرية "الحسينات". الشاهد كشف أن مالك البيت هو من قبيلة "الرميلات " وقد نزح لمحافظة "الإسماعيلية"، مؤكداً أن المنزل يقع في مدينة الشيخ زويد بعيداً عن المنطقة العازلة مع قطاع غزة كما لا يقع في منطقة تشكل تهديداً للمعسكرات والكمائن الأمنية، وأن الصوت الذي رافق تفجير المنزل سبب صدى قوياً هز المدينة، وتصاعدت على إثره أعمدة الدخان، لافتاً إلى أن القوة العسكرية التي قامت بعملية التفجير جاءت من معسكر "الزهور" في "الشيخ زويد" وعادت إليها بعد إنجاز المهمة.

2- عقوبات جماعية للسكان المحليين في مدينة "بئر العبد"

شنت القوات الأمنية حملة اعتقالات عشوائية طالت السكان المحليين في مدينة "بئر العبد" إثر اختطاف أحد المدنيين الأقباط في تاريخ 2020.11.08، من قبل مسلحين يرجح انتمائهم لتنظيم "داعش".

ووثق مندوبو مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، حملات الاعتقال العشوائية التي استهدفت المدنيين في منازلهم وفي الشوارع والمحلات التجارية، كما أقدمت السلطات على إغلاق عدة شوارع فرعية أمام حركة المارة والسيارات.

وفي سياق تطورات هذا الموضوع، أجبرت القوات الأمنية عدد من العائلات التي تقيم في بعض المنازل و“العشش“ الواقعة في الأطراف الجنوبية لحي ”الغزلان“ بمدينة ”بئر العبد“، على إخلائها قسرياً دون إبداء أية أسباب قانونية تبيح هذا التصرف التعسفي، مهددة من يمتنع منهم بالاعتقال. ويسكن في هذه المنطقة عدد من العائلات التي تنتمي إلى قبيلة "بلي".

وقد وثق الفريق الميداني لمؤسسة سيناء استعداد الأهالي للنزوح من الأراضي التي استقروا فيها لأكثر من 10 سنوات بأجواء من الحزن والانكسار، كما أصدرت المؤسسة بياناً تدين فيه سياسة العقاب الجماعي المتبعة في حق المدنيين.

تُعد هذه الممارسات، أنموذجاً ونمطاً متكرراً تقوم به السلطات كإجراءات عقابية جماعية تطال المدنيين بعد وقوع أي خرق أمني في سيناء.

وقد حظرت القوانين الدولية عمليات الإخلاء القسري دون مبررات موجبة، إذ أوضحت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأمم المتحدة أن ”الإخلاء القسري وتدمير المنازل كإجراء عقابي لا يتفق مع معايير العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية“، ويخالف الالتزامات التي كرّستها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 فيما يختص بنزوح السكان المدنيين وتدمير الممتلكات الخاصة.

 

 

 

 

3- التقاعس عن أداء مسؤولياتها تجاه العائدين إلى منازلهم بعد نزوحهم القسري منها

عالجت الأمم المتحدة عبر المبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشريد الداخلي والمستوحاة من القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وألقت على السلطات الوطنية في المقام الأول وفي نطاق ولايتها، واجب ومسؤولية توفير الحماية والمساعدة الإنسانية للمشردين داخلياً، كما وضعت على عاتقها أيضاً واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين، إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة.

وخلافاً لذلك، أفاد شاهد عيان من قرية "إقطية" في تاريخ 2020.11.03 أن الجهات الحكومية تتقاعس عن أداء مهامها المنوطة بها في تسهيل ومتابعة طلبات التعويضات للمواطنين المتضررين جراء العمليات العسكرية التي رافقت احتلال عناصر ولاية سيناء لقراهم، وهي قرى "قاطية" و"إقطية" و"المريح" و"الجناين" التابعة لمركز مدينة "بئر العبد".

وذكر شاهد العيان بأنهم لم يحصلوا على أي تعويضات تذكر بعد العودة، وقال: "الكل منشغل بتقديم أوراق لإثبات الأضرار في البيوت والمزارع، ولكن هذا الأمر روتيني وبطيء، طُلب منّا أن نقدم الأوراق في الإدارة الزراعية وفي مديرية التضامن الاجتماعي" ويضيف أن الجواب يأتيهم من الجهات المختصة بالقول "سيبوا الملفات وسنعلن عن التعويضات بعدين.. هنراجعها ونشوف".

مستدركاً بأن" الضرر في البيوت لا يحتمل التأخير" وأن "كثيرين -من السكان المحليين- يحضرون للقرية نهاراً ويغادرونها ليلاً لأنهم غير آمنين في القرية، وغير قادرين على العيش في بيت متضرر، أو مزرعةٍ لا يعلم إلا الله إن كانت تحتوي عبواتٍ ناسفة أم لا".

4- التستر بالأعيان المدنية في مسجد قرية "الروضة" في "بئر العبد"

استذكر الأهالي في محافظة سيناء خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر، مذبحة مسجد قرية "الروضة" التابعة لمركز مدينة "بئر العبد"، التي حصلت بعد هجوم دموي بحق المصلين عقب صلاة الجمعة، يوم 24 نوفمبر عام 2017، وراح ضحيتها 335 مدني وعشرات المصابين، والتي حدثت بعد أن أقدم مسلحون على إطلاق الرصاص على جموع المصلين في صلاة الجمعة، لتصبح هذه الحادثة هي الأضخم والأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث.

أحد السكان المحليين بقرية الروضة والذي يبلغ من العمر 41 عاماً، ذكر في شهادته لفريق المؤسسة: " بعد ثلاث سنوات من المذبحة، صرنا في طي النسيان، ولا أحد صار يتذكر مأساتنا او يقدم لنا أي دعم سواء من الحكومة أو رجال الأعمال، رغم وجود عشرات الأسر بدون عائل أو مصدر رزق بسبب مقتل أحد أقاربهم في المذبحة.

مرت الذكرى الثالثة على القرية  بدون أي حديث عنها، الكارثة ان حياتنا كمان صارت صعبة، رغم أن عدد أهالي القرية قليل جداً، وكلنا معروفين لقوات الجيش، إلا أن الأهالي يتم التشديد عليهم من قوات الجيش المسؤولة عن حماية القرية في بعض العادات الاجتماعية المتعارف عليها، مثل منعنا من اللقاء في جماعات والجلوس بالقرب من المسجد أو زاوية القرية لإقامة شعائرنا الصوفية التعبدية ، معتبراً أن ممارساتها التعسفية و كثافة إطلاق النيران التحذيرية على مدار اليوم تسببت بشيوع جو من الرعب والقلق.

هذه الممارسات دفعت المواطنين للامتناع عن أداء الصلاة في المسجد، مقتصرين على قضائها في أماكن سكناهم، وتجنّب التجمعات واللقاءات في زاوية القرية أوأمام مسجد القرية.

وحول الإجراءات التي تعتمدها القوات الأمنية في تعاملها مع أهالي القرية، التقينا بشاهد ثاني من السكان المحليين، والذي قال متعجباً:

 "احنا مش عارفين بيحموا مين بالضبط، هل بيحموا أنفسهم ولا القرية! ، ليش تاركين جنوب القرية دون تأمين و قاعدين في وسط الأهالي وسط القرية، بنقول لهم خطر المسلحين يأتي من جنوب القرية مش من وسطها،  لكن كلامنا لا يعجبهم و ينهرون من يقدم لهم النصيحة".

ويضيف الشاهد أن أطفال القرية بحاجة إلى الدعم النفسي والمعنوي من أجل أن يتجاوزوا التفاصيل المؤلمة والخوف الذي يلازمهم، خصوصاً أسر الضحايا الذي سقطوا في مذبحة مسجد القرية.

من جانب آخر، القوات الأمنية تقوم بالتوسل والتستر في الأعيان المدنية، إذ يحتل عناصر منها زاوية القرية، وهي مكان بجوار المسجد يقيم فيه المتصوفة شعائرهم التعبدية، متخذةً منها مكاناً للمبيت والسكن. تدفع إجراءات التستر بالأعيان المدنية ونشر النقاط العسكرية وسط المناطق السكنية واستخدام الممتلكات المدنية في الصراع المسلح إلى تحويلها إلى أهداف عسكرية، مما يعرضها إلى خطر استهدافها بالهجمات وتدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها وتعطيلها بما ينافي القانون الدولي الإنساني الذي أفرد حماية خاصة لها وأوجب على أطراف النزاع منع استغلالها في أوجه تؤدي إلى الضرر بها، وقد أكدت على ذلك المادة 52 من الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977.

5- إطلاق نار عشوائي أفضى إلى إصابة طفلة في مركز "الشيخ زويد"

يحظر القانون الإنساني الدولي والتشريعات ذات العلاقة الاستهداف العشوائي غير التمييزي، والتي لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين، وأوجب على أطراف النزاع التمييز فيما بينهم في جميع الأوقات. يُعد إطلاق النار العشوائي المفضي لانتهاكات في صفوف المدنيين شائع الوقوع في سيناء، وهو ما جرى مع طفلة في تاريخ 2020.11.28.

إذ وثق فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، إصابة طفلة تبلغ من العمر 12 عاماً، وتدعى "فاطمة حسن سلمي سواركة"، أصيبت بمنطقة الصدر بعيار ناري، بعد إطلاق نار عشوائي في مدينة "الشيخ زويد"، صدر من الكمائن الأمنية، وجرى نقل الطفلة إلى مستشفى العريش العام، واستخرجت الطلقة من جسمها ثم أودعت في العناية المركزة.

وحول التهديدات التي يتعرض لها المواطنون جراء إطلاق النار العشوائي، أبلغ أحد سكان قرية "الشلاق"، باحثي مؤسسة سيناء، بوجود 4 كمائن ثابتة في القرية، للجيش والقوات الأمنية، إضافة إلى الارتكازات المتنقلة، والتي تعتمد جميعها إطلاق النار بشكل عشوائي، في عمليات التمشيط كما يطلق عليها في عُرف القوات الأمنية.

تقع القرية على الطريق الدولي، الذي يحاذيها من طرفها الجنوبي والشمالي، حيث يفيد شاهد العيان بأن على القوات الأمنية، في حال إطلاق الرصاص الاحترازي، توجيه النار جنوباً باتجاه الظهير الصحراوي للقرية، وهذا ما لا يلتزم به الجنود الذين يطلقون الرصاص في كل الاتجاهات، وهو ما يعرض حياة سكان القرية للخطر، والذي تسبب في سقوط ضحايا ومصابون جراء الإطلاقات العشوائية خلال الفترات السابقة.

ويضيف شاهد العيان أن "الكمائن موجودة وسط بيوت الأهالي، وفي مدرسة الشلاق الإبتدائية، وفي مسجد القرية، وتطلق النار من دون سبب مفهوم بدون وجود مسلحين او اشتباكات، وهو ما حدث يوم إصابة "فاطمة" حيث لم يحدث أي اشتباكات بين الجيش ومسلحين، ولم أشاهد أي تحرك للمسلحين في المنطقة، كانت القرية هادئة تماماً هذا اليوم، إلا من رصاص الكمائن المعتاد من أجل التأمين، للأسف هذه المرة أصاب "فاطمة" ولا نعرف من التالي.

 و أضاف: "يجب أن يتوقف إطلاق الرصاص العشوائي، حياتنا تحولت الى جحيم، كثيراً ما يصيب الرصاص أسلاك الكهرباء، وتبقى القرية بدون كهرباء بسبب عدم إصلاح الأضرار، كما أن الرصاص يصيب الجدران والنوافذ، أطفالنا ما بيعرفوا يناموا".

ب- انتهاكات تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش

1- اختطاف مدنيين في "بئر العبد"

يكرس القانون الإنساني الدولي الحماية للمدنيين من الاستهداف أثناء النزاعات، حيث أكدت المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف على حظر "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله" للمدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال، كما أفرد كما أفرد للأقليات حماية خاصة في عدد من الاتفاقيات، فعلى سبيل المثال: جاء في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال عدم التسامح والتمييز بناء على الديانة أو المعتقد، فإن حرية اعتناق الدين والتعبير عن المعتقد الديني وغير ذلك محمي ويمنع الإكراه في ذلك، كما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أقره مجلس جامعة الدول العربية في عام 2004 بعدم جواز حرمان أي شخص من حقوقه بسبب عرقه أو لونه أو جنسه أو لغته أو دينه أو رأيه السياسي أو أصله القومي أو الاجتماعي.

وخلافاً لذلك، رصدت مؤسسة سيناء خلال شهر نوفمبر استمرار تنظيم داعش في سياسة استهداف المدنيين بسبب مزاعم عدة، من بينها تعاون بعضهم مع القوات الأمنية، أو تجاه المخالفين له دينيا وفكرياً مثل المسيحيين والصوفيين.

في 2020.11.08، وثق فريق المؤسسة واقعة اختطاف قائم على الديانة يرجح أن تنظيم داعش قام به، فقد اختطف مسلحون مدنياً مسيحياً يدعى "نبيل حبشي سلامة"، يبلغ من العمر 61 عاماً، من أمام داره الواقع في حي "الغزلان" بمدينة "بئر العبد ".

وفي التفاصيل، فقد أقدم 3 أشخاص ملثمين على اختطاف "نبيل" على مسافة من داره تبعد نحو 50 متر في الساعة الثامنة من مساء 2020.11.08، تحت تهديد السلاح، بحسب بيان على موقع فيس بوك نشره ابن الرجل المختطف، ويدعى "بيتر حبشي سلامة".

وذكر "بيتر" أن السيارة التي كان يستقلّها الخاطفون من طراز "هيونداي-فيرنا"، وقد فروا إلى جهة مجهولة بعد عملية الاختطاف.

فيما تحدث إلينا شاهد عيان: "ثلاثة ملثمين لابسين لبس مدني، وقفوا عم "نبيل" قريب من بيته وحاولوا ياخدوه معاهم، لما قاومهم اعتدوا عليه بالضرب بعنف وصار ينزف من أكثر من مكان، وقبل مغادرتهم المكان اعترضوا طريق سيارة نص نقل، وأجبروا السائق على النزول منها، أنا بعرفه اسمه "محمد سالم"، محمد صار يترجاهم ويقولهم عربيتي هي مصدر رزقي الوحيد لكن دون فايدة، أخذوا السيارة وعم نبيل وغادروا، انا استنتجت من طريقة لبسهم و كلامهم انهم من داعش".

يعمل "نبيل" كصاحب محل مجوهرات، كما أنه كان من المساهمين في إنشاء كنيسة "العذراء" التي تعتبر الوحيدة في مركز "بئر العبد"، ويؤكد ابنه "بيتر" أن والده لم يكن على عداء مع أحد من أهالي المنطقة الذين كانت تجمعهم معه علاقات عمل طوال السنوات الماضية في مجال بيع المجوهرات وأجهزة الهاتف المحمول، مطالباً الجهات الأمنية بالجدية في العمل على استعادة والده.

بينما لم ترد أي معلومات عن الجهة الخاطفة، إلا أن ترجيحات مبنية على معلومات لوقائع سابقة، تشير إلى أن تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، يمكن أن يرتكب مثل هذه الجرائم، رغم أن التنظيم لم يصدر أي بيان حول تلك الواقعة بعد مسح قام به فريق مؤسسة سيناء على كل المواقع الإلكترونية التي اعتاد التنظيم على نشر بياناته فيها.

وفي وقت سابق من شهر أغسطس الماضي، اختطف المدني "بخيت عزيز لمعي"، من قرية "الأبطال"، التي تتبع إدارياً لمحافظة "الإسماعيلية"، وتقع ضمن النطاق الجغرافي لشبه جزيرة سيناء، ولم يُستدل على مكانه حتى الآن.

كما أن عدداً آخر من المدنيين تعرضوا للاختطاف وآخرين للاغتيال، في فترات سابقة، في مناطق "الشيخ زويد" و"رفح" و"العريش" و"بئر العبد"، كما جرت عمليات تهجير في حق المكون المسيحي، بعد استهداف عناصر تنظيم ولاية سيناء لهم بالقتل وحرق منازلهم.

وأفاد أحد شهود العيان لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهو صاحب محل تجاري في مدينة "العريش"، بأن بعض المواطنين من الديانة المسيحية، قد "عادوا إلى المدينة بعد هجرتهم السابقة عام 2017 نتيجة الهجمة الشرسة لتنظيم داعش آنذاك، إلا أنهم يحرصون على التواري عن الأنظار، وغالباً ما تضع السيدات والفتيات أغطية الرأس بغرض التخفي عن أعين المسلحين وعدم تمييزهن عن طريق ملابسهم، في ظل الطابع العام الذي اعتادت عليه السيدات المسلمات في العريش بوضع الحجاب على رؤوسهن أو تغطية وجوههن بالنقاب".

ويضيف أنه "لم تكن السيدات المسيحيات قد اعتدن على تغطية رؤوسهن بالحجاب قبل التهجير الذي حصل للمكون المسيحي، إلا أن المضايقات والتهديدات الأمنية، اضطرتهن لاعتماد هذا الأسلوب في التخفي"، وأنه بصفته صاحب محل يتعرف عليهن كزبائن سابقات للمحل أو من خلال معرفته بعائلات العريش.

وفي واقعة أخرى جرت في تاريخ 2020.11.19، أقدم مسلحون يرجح انتماؤهم لتنظيم داعش على اختطاف مواطنين من قرية "الهميصة" التابعة لمركز مدينة بئر العبد.

وذكر شاهد عيان لممثلين عن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أن أحد المواطنين الإثنين الذينِ تم اختطافهما، يدعى "محمد عبد الرحمن علي عيد" 23 عام، ويعمل في مهنة الحلاقة.

أما الضحية الثاني فقد كان المواطن "علي السيد غنمي" 38 عام، من أهالي "الهميصة" أيضاً، وله عائلة مكونة من زوجة وابنين وبنتين، وقد نزح مع عائلته عند دخول عناصر داعش إلى القرى الواقعة جنوب قرية "رابعة"، والتي كان من بينها قرية "الهميصة"، حيث رحل إلى قرية "الشوحط" ثم عاد إلى قريته ثانية من أجل جني محصول الزيتون التابعة له.

قابلنا أحد شهود العيان على واقعة الاختطاف، قال في شهادته لنا:  أنه عند تواجد "علي" في محل الحلاقة الذي يمتلكه "محمد"، باغتهم داخل المحل أربعة من المسلحين، وقاموا باصطحابهما بالقوة خارج المحل وأجبروهما على  ركوب دراجاتهم النارية، أثناء انسحابهم تعالت صرخات النساء، اللواتي رجونَ المسلحين لإخلاء سبيل الضحيتين، إلا أنهم قاموا بنهر السيدات، ووعدوا بإطلاق سراحهما خلال يومين ثم اقتادوهما إلى جهة مجهولة، ولم يتسنَ لفريق مؤسسة سيناء معرفة مصير الضحيتين حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

2- أسلحة عشوائية لا تمييزية تصيب طفلًا في قرية "المريح" التابعة لمدينة "بئر العبد"

كثيراً ما عَمِدَ مسلحي داعش إلى استخدام اسلحة عشوائية لا تمييزية تطال المدنيين والمقاتلين على حد سواء، وهو سلوك خطير أفضى إلى وقوع ضحايا من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وهو ما يخالف القانون الإنساني الدولي الذي أوجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين خلال أي نزاع، وهو مبدأ أساسي يلزم جميع أطراف النزاع المسلح، ويبقى نافذًا مهما كانت طبيعة الصراع و الأطراف المنخرطة به، وهو ما أكدته المادة 48 من الملحق الأول الإضافي لاتفاقية جنيف 1977.

في تاريخ 2020.11.18 أدى انفجار قنبلة يدوية  في قرية "المريح" إلى إصابة الطفل، يوسف سليمان زايد، البالغ من العمر 13 عاماً، إصابة بليغة بوتر الساق، وذلك بعد أن عثر على القنبلة في الشارع وحاول تحريكها واللعب بها ورماها لتنفجر بالقرب منه.

وقال أحد السكان المحليين لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، إن تنظيم "داعش" حوّل حياة المدنيين إلى جحيم بسبب العبوات المنتشرة في المزارع، ورغم البلاغات التي يقوم بها المزارعون عن هذه العبوات، إلا أن الجيش لا يقوم بإزالتها سريعاً، وأضاف " ليش تنتظر الحكومة لما المصيبة تصير، بعد شهرين من سيطرة الجيش على القرى مفيش أي جهد حقيقي لتطهير بيوتنا و مزارعنا، التحرك في تطهير القرى بطئ جدا واحنا اللي بندفع الثمن".

ويتساءل عن مصير السكان "من يدري من سيكون ضحية الانفجارات القادمة؟" مضيفا بعبارة" والله غير آمنين، لا على أنفسنا ولا على أولادنا عند خروجهم من البيوت، بنسمع أصوات الانفجارات ونقول "ربنا يستر، يا ترى مين الضحية".

تبدو قرى "قاطية" و"إقطية" و"المريح" و"الجناين" و"رابعة" المحررة من داعش في "بئر العبد" وكأنها أصبحت مصيدة للمدنيين الذين عادوا إليها بعد أن نزحوا منها قسراً، فقد أوقعت في شهر أكتوبر 16 قتيلاً، منهم 5 أطفال و 10 نساء، وأصابت 14 آخرين، منهم 11 رجلاً و3 أطفال وفقاً للبيانات التي وثقتها مؤسسة سيناء في نشرة الشهر الماضي بالاعتماد على مصادر طبية وشهود عيان من السكان المحليين.

ورغم أن هذه الواقعة تسبب بها تنظيم داعش، ويقع عليه مسؤولية الفعل، إلا أن ذلك لا يعفِ مسؤولية السلطات المصرية عموماً والقوات المسلحة خصوصاً من مسؤوليتها، إذ يقع على عاتقها واجب تأمين المنطقة تأميناً فعلياً تاماً لضمان حماية الأرواح، ويتعين عليها ضمان عدم تكرار هذا النوع من الحوادث، إذ تشير هذه الوقائع إلى أنها أخفقت في أداء التزامها بحماية المواطنين وضمان عودتهم بآمان إلى مناطقهم. تجدر الإشارة إلى أن القوانين الناظمة للنزاعات تُلزم جميع أطراف النزاع التي تسيطر على أرض بوجوب توفير الحماية للمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها.

3- استهداف أعيان مدنية قرب قرية في "بئر العبد"

أوجب القانون الإنساني الدولي حماية الأعيان المدنية وعدم توجيه هجمات عليها ما دامت لم تستخدم في أغراض عسكرية، ويرد ذلك صراحة في الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، حيث تشير المادة 48 منه إلى وجوب التمييز بين الأعيان المدنية والعسكرية، كما تفرض التزاماً على أطراف النزاع باحترام وحماية المدنيين والأعيان المدنية.

في تاريخ 2020.11.19، أعلن تنظيم داعش في ولاية سيناء عن تفجيره أنبوبا للغاز الطبيعي قرب قرية "سبيكة" التابعة لمركز مدينة "بئر العبد"، وفقاً لما أعلنه في بيان نشره على مواقع تابعة له. وقد سُمع صوت الانفجار داخل مدينة "العريش" رغم بعدها عن موقع الحادث ما يقرب من 30 كم غرباً.

ووفقاً لما ورد في البيان، فقد تذرع التنظيم بأن استهداف الأنبوب كان بسبب استخدامه في نقل الغاز مع "اليهود". وقد أكدت السلطات الرسمية وقوع الحادثة، حيث أفاد محافظ شمال سيناء، اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، بأن التفجير لم يؤثر على أعمال المصانع والبيوت ومحطة الكهرباء البخارية. وتُعد الأنابيب المستهدفة، خطاً احتياطيا لشبكة الغاز الطبيعي التي تغذي 16 ألف مشترك بمنازل  مدينة "العريش".

ج- إطلاق نار عشوائي من جهة غير معلومة أفضى إلى مقتل مدني في العريش

تعد حالات القتل والإصابة بسبب إطلاقات النار العشوائية مجهولة المصدر متكررة الوقوع في شمالي سيناء، حيث خلفت تلك الهجمات المجهولة أو المنسوبة إلى عناصر تنظيم ولاية سيناء المتطرف، ضحايا من المدنيين تجاوز عددهم 1004، كما أصيب 2500 مدنيا خلال 6 سنوات، حسبما صرح به اللواء "محمد عبد الفضيل شوشة" محافظ شمال سيناء، في أحد البرامج التلفزيونية شهر أكتوبر الماضي.

من الشائع في سيناء وقوع ضحايا جراء إطلاقات النار العشوائية التي لا يُعرف مصدرها، وتقيّدها الجهات الإدارية والسلطات الأمنية في تقاريرها أن المتسبب بها مجهول، مما يضيّع حقوق الضحايا و يعيقهم عن المساءلة والمحاسبة القانونية بحق الجاني.

تحظر التشريعات والأعراف الدولية الناظمة لسلوك أطراف النزاع استخدام الأسلحة ذات الاستهداف العشوائي التي من شأنها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين. كما حظر الاستهداف المتعمد للمدنيين في الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وإن انتهاك هذا الفرض يُعرض الجهات المسؤولة للمقاضاة حسب القانون العرفي الدولي. وعلى أطراف النزاع واجب التمييز في جميع الأوقات بين الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال العدائية والسكان المدنيين. وكانت محكمة العدل الدولية قد أقرت في رأيها الاستشاري في 8 يوليو 1996 بأن "مبدأ التمييز" تجاه الأهداف هو مبدأ "قطعي" للقانون الدولي العرفي.

في تاريخ 2020.11.13، قُتل الشاب "إسماعيل محمد سلمى"،  البالغ من العمر 24 عاما، يعمل كمهندس مساحة، بعد إصابته بطلق ناري مجهول المصدر، أثناء عمله في نطاق حرم مطار "العريش الجنوبي".

وقال أحد أقرباء الضحية، أن "الرصاص نُسب في محاضر شرطة القسم الأول بمدينة العريش إلى مصدر مجهول، تسبب بإصابة منطقة أعلى الصدر، وتم نقل الجثمان إلى مستشفى العريش، ثم إلى مقر الطبيب الشرعي في محافظة بورسعيد لبيان سبب الوفاة والتصريح بالدفن".

حالة من الحزن خيمت على العريش بعد مقتل الشاب، خلفتها تفاصيل متعلقة بحياته، إذ كان من أواخر ما دونه على حسابه الشخصي على فيس بوك أنه أتم عامه الـ24، كما أنه روى لأحد أصدقائه الذي أفاد لممثلنا في "العريش"، أن الشاب قال له أنه يتوقع موت "شهيداً".

أفاد عامل في مجال المشروعات الإنشائية في جنوب العريش، بأن "مواقع العمل جنوب مطار العريش هي مناطق مفتوحة، ولا يمكن معرفة مصدر إطلاق الرصاص، المنطقة محاطة بالعديد من كمائن الجيش، ولا يستطيع أحد منا تحديد مصدر الرصاص؛ هل هو رصاص طائش أم مقصود".

ويشرف مقاولون محليون على عدة ورش في تلك المنطقة، تتخصص في أعمال مد الطرق وأعمال تجهيزات خرسانية في مطار العريش، بعد اكتمال إنشاء سور حرم المطار.

وتوفر تلك الورش فرص عمل لعدد من الشباب والعمال، تحيط بهم خلال العمل عدد من النقاط الأمنية التي تتجنب الاقتراب من الكمائن العسكرية.

ولم تتمكن مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان التثبت من معرفة الجهة المسؤولة عن هذه الواقعة أو عن الدافع الكامن وراءها، إلا أن تُعد من الوقائع شائعة الحدوث في المنطقة.

التوصيات:

1- للسلطات المصرية:

أ. إجراء تحقيقات شفافة في الوقائع التي كان فيها عناصر من الجيش والقوات الأمنية أطرافًا فيها، وأدت إلى وقوع ضحايا من المدنيين وأضرار في الأعيان المدنية.

ب. فك القيود التمييزية وغير القانونية على الأنشطة التجارية وأعمال الصيد والتنقل في سيناء، وتقديم تعويضات عاجلة وعادلة للسكان الذين تضرروا منها.

ج. الامتثال لمبادئ القانون الإنساني الدولي من قبل أفراد الجيش والقوات الأمنية هو أساس مهم يضمن المهنية في أداء أعمالهم، ينبغي تعليم وتدريب الضباط والجنود العسكريين على هذه القواعد من خلال المناهج في الأكاديمية العسكرية والدورات التدريبية الأخرى.

د. دعوة وقبول طلبات الزيارات الخاصة بآليات الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة إلى سيناء، والسماح لها بالوصول دون عوائق، وضمان عدم الانتقام من الأفراد الذين يتعاونون معها.

هـ. إجراء تعديلات على القوانين والأنظمة التي تتيح سلطات واسعة غير مقيّدة للقوات الأمنية والجيش، ومنها قانون الطوارئ وقانون مكافحة الارهاب، ووضع آليات تضمن الإشراف القضائي وإجراء الرقابة القانونية على أداء سلطات إنفاذ القانون.

2- إلى جميع أطراف النزاع، بمن فيهم مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء":

أ.اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وفقًا للقانون الإنساني الدولي، أثناء أي حملات عسكرية برية وجوية.

ب. في المناطق التي يصبح فيها طرف غير حكومي في النزاع بمثابة القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع، ينبغي اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية حقوق جميع السكان دون تمييز، وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين.



الكلمات المفتاحية


مقالات متعلقة