img
فِي غَيَاهِبِ الْجُبِّ .. قصص غير مروية لمدنيين ابتلعتهم المعتقلات السرية في سيناء

Available in English​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​

الملخص:

دلوقتي الإرهاب انتهى في شمال سيناء، من ابسط حقوقي اعرف مكان ابني وهل عايش ولا ميت معنديش مشكلة ابعت تلغرافات لأي جهة حكومية في مصر أو  شكوى للأمم المتحدة أو أي حاجة حتى لو هيعتقلوني. همّا يعني هيمنعوني كمان ادور على ابني؟ 

مقابلة مع والد أحد المختفين قسرا.

هناك 9 اتفاقيات حقوق إنسان أساسية، مصر منضمة إلى 8 منها، والاتفاقية التي لم تنضم لها مصر هي اتفاقية منع الاختفاء القسري. جريمة الاختفاء القسري صداها ومعناها سيئ، في حين يمكن التغلب على ذلك ومسح هذه التهمة من سجلنا.

 

السفيرة مشيرة خطاب ، الرئيس السابق للمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان


​​​​​​​في نوفمبر 2024، تبنّت اللجنة الفرعية للاعتماد، التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمكلّفة بتقييم مدى التزام المؤسسات بمبادئ باريس، توصياتها بخفض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إلى الفئة (ب)، معربة عن مخاوف جدية بشأن ضعف استقلاليته وفعاليته وشفافيته، وفشله في معالجة قضايا مثل الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية.

على امتداد العقد الماضي، اتبعت الدولة المصرية في شبه جزيرة سيناء سياسات أمنية قمعية ممنهجة، كان من بين أبرز ملامحها حملات الاعتقال التعسفي التي طالت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وما واجهوه في تلك المعتقلات من ويلات التعذيب في فترات متفاوتة من الاختفاء القسري، بعضهم ظهر في السجون، أو عاد إلى الحياة، والبعض الآخر كان مصيره القتل خارج نطاق القانون، بينما بقي الكثيرون مجهولو المصير، لا يعرف ذويهم إن كانوا أحياء أو أموات. كان كل ذلك جزء من مقاربة السلطات والجيش الأمنية في مواجهة مجموعات إسلامية مسلحة منذ عام 2013. يوثق هذا التقرير 82 حالة من الاختفاء القسري المستمرة، يمثلون جزء من 863 حالة لم يستدل على مصير أصحابها حتى اليوم، وثقتها المؤسسة في تقاريرها المختلفة على مدار سنوات. وهو رقم لا يمثل حصراً لأعداد المختفين قسريا في سيناء، وإنما ما تمكنت المؤسسة من رصده والتحقق منه.

بينما ترى عينة ممثلة من النشطاء والفاعلين القبليين في سيناء، إن أعداد المختفين يتراوح ما بين 3000 إلى 3500 شخص وفقا لمنهجية اعتمدت على إشراك المجتمع المحلي في تقدير حجم الظاهرة خلال هذا التقرير. في حين تشير إحدى المقابلات التي أجرتها المؤسسة مع والد أحد المختفين قسريا، أن الرقم التسلسلي الذي قيدت به بيانات نجله في مبادرة تابعة لجميعة الوسيم الأهلية، وهي جمعية مجتمع مدني تابعة لرجل الأعمال المقرب من الجيش وأجهزة المخابرات إبراهيم العرجاني، كان 2870.

هذه السياسات لم تنشأ فجأة، بل تستند إلى تاريخ طويل من التعامل الأمني العنيف مع السكان المحليين، بدأ بالظهور بشكل واضح بعد تفجيرات طابا ورأس شيطان في 7 أكتوبر 2004، والتي أسفرت عن مقتل 34 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين من السيّاح والمتواجدين، شنت السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة النطاق في شمال سيناء. أعلنت وزارة الداخلية المصرية في 25 أكتوبر 2004، أﻧﻬﺎ ﺣﺪدت هوﻳﺎت أشخاصا ﺘﺴﻌﺔ قالت إنهم هم اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻬﺠﻤﺎت، خمسة منهم كانوا رهن الاحتجاز، واثنان قُتلا أثناء تنفيذ الهجوم، واثنان آخران لا يزالان فارين.

وعلى الرغم من محدودية أعداد المتهمين المتورطين في تنفيذ الهجمات وفقا لتصريحات رسمية، فقد اعتقلت السلطات المصرية وقتها ما يزيد عن 2400 من السكان المحليين، قالت تقارير حقوقية لمنظمات مصرية ودولية، أن هذه الاعتقالات تمت بطريقة عشوائية ومُسيئة، انتهكت القانون، حيث لم تقتصر على المشتبه بهم، بل امتدت إلى أقاربهم، بما في ذلك النساء والأطفال، في سلوك أقرب إلى العقاب الجماعي، وتعرض مئات المعتقلين  للإخفاء القسري، في أماكن احتجاز غير رسمية أو غير معلنة، لفترات طويلة دون أي إشراف قضائي أو تمكين من التواصل مع العالم الخارجي. تعكس هذه المفارقة بين عدد المتهمين الفعليين وحجم الاعتقالات الجماعية تاريخا واضحا من النهج الأمني الذي يعتمد على الاشتباه الموسع والمعاقبة الجماعية، مما أدى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

 أورد تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش عام 2005 حول الاعتقالات الجماعية والتعذيب عقب هجمات طابا 2004 أدلّة موثوقة على تعرّض المعتقلين للتعذيب الممنهج، وخاصة في مقار مباحث أمن الدولة، باستخدام وسائل قاسية مثل الصعق بالكهرباء، والضرب المبرح، والتعليق من الأطراف، "كان التعذيب ممنهجًا في منشآت أمن الدولة خلال التحقيقات، مع ورود تقارير متسقة عن استخدام الصدمات الكهربائية والضرب والتعليق". وذكر التقرير أيضًا أن هذه الانتهاكات الجسيمة ارتُكبت دون مساءلة، حيث لم تُفتح أي تحقيقات بحق المسؤولين الأمنيين، ولم تتم محاسبة أحد. في حين قالت ﻣﻨﻈﻤﺎت ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ إن ﻗﻮات الأمن قد ألقت القبض على ثلاثة آلاف شخص، منهم بضع مئات تعرضوا للاعتقال لمجرد تأمين استسلام أفراد مطلوبين من نفس العائلة.

تعكس تلك الوقائع أن الدولة المصرية نظرت إلى شبه جزيرة سيناء منذ عام 2004، وربما قبل ذلك، باعتبارها منطقة خطر أمني دائم، مما أسّس لشرعنة سياسات أمنية قمعية توسعت بعد 2013. ورغم اختلاف السياق والجماعات المتورطة في العنف خلال الفترتين، إلا أن الدولة اعتمدت في كلتا الحالتين على ذات المنهج الأمني، القائم على القوانين الاستثنائية والانتهاك المنهجي للحقوق. غير أن ما كان يمارس كـ إجراءات استثنائية عقب تفجيرات طابا عام 2004، تحول منذ 2013 إلى بنية قمع مؤسسية، اتخذت فيها ممارسات كـ الإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون طابعًا ممنهجًا، في ظل غياب تام للمساءلة وتوسع مطّرد في صلاحيات الأجهزة الأمنية.

ما يلفت الانتباه في المقارنة بين الفترتين، أن مستوى العنف وطبيعة الانتهاكات ظلت ثابتة في جوهرها، لكنها أصبحت أكثر اتساعًا واستمرارية بعد 2013، وترافق ذلك مع إضعاف دور القضاء المدني، وتصاعد دور المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، بما وفّر غطاءً قانونيًا للانتهاكات. تعكس هذه المقارنة تطورًا من حالة قمع مؤقت عقب هجوم أمني إلى نموذج سلطوي مستقر قائم على الاستخدام المفرط للقوة والإخفاء الممنهج، في ظل غياب الشفافية والرقابة والمحاسبة، ما يضع الدولة المصرية أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية جسيمة تجاه الضحايا.

في إطار هذا التقرير، قام باحثو المؤسسة بإنشاء قاعدة بيانات تستند إلى مراجعة وتحليل البيانات الرسمية الصادرة عن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية خلال فترة العمليات العسكرية الممتدة من عام 2013 إلى عام 2022. وقد كشفت هذه البيانات عن إعلان القوات المسلحة مقتل 5,053 شخصًا ممن وصفتهم بـ "العناصر الإرهابية"، واعتقال 14,837 آخرين من المشتبه بانتمائهم إلى جماعات مسلحة. وتُظهر هذه الأرقام الرسمية تناقضًا صارخًا مع تقديرات عدد المسلحين المنتمين إلى الجماعات المتطرفة في سيناء، والتي تراوحت، وفقًا لتقديرات مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت (CTC) بين 1000 و1,500 عنصر حتى منتصف عام 2018، بينما قدرتها مؤسسة RAND بـ "عدة مئات" فقط، الأمر الذي يثير تساؤلات جوهرية حول مصير آلاف المعتقلين الذين لا يُعرف مكان احتجازهم أو مصيرهم حتى اليوم.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تشمل البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية، والتي تمثل بدورها جزءًا كبيرًا من عمليات الاعتقال والقتل خارج نطاق القانون. فعلى سبيل المثال، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية في 15 مارس 2018 أن أجهزة الشرطة قامت خلال الفترة من 9 فبراير إلى 15 مارس 2018 (35 يومًا فقط) "بفحص 52,164 شخصا، تم ضبطهم بنوع الاشتباه وإخلاء سبيل من ثبت سلامة موقفه"، دون تحديد عدد المفرج عنهم، ما يدلل بشكل واضح عن توسع حملات الاعتقال على أساس الاشتباه، دون الإشارة إلى عدد من تم الإفراج عنهم فعليًا. وهو ما يشير بوضوح إلى الطابع العشوائي والواسع لحملات الاعتقال المبنية على الاشتباه، ويعزز المخاوف بشأن مصير عدد غير معلوم من هؤلاء الأفراد، في ظل غياب الشفافية والمحاسبة.

شكل (1): إنفوجراف يوضح الأعداد الرسمية للمعتقلين الذين أعلنت القوات المسلحة المصرية عن اعتقالهم في إطار العمليات العسكرية في سيناء بين عامي 2013 و2022.

 

​​​​​​​شكل (2): رسم بياني يوضح الأعداد الرسمية للقتلى الذين أعلنت القوات المسلحة المصرية عن تصفيتهم في إطار العمليات العسكرية في سيناء بين عامي 2013 و2022.


​​​​​​​- لقراءة التقرير كاملًا، حمّل أو استعرض الملف المرفق:



الكلمات المفتاحية