"رؤيتي لمزرعتي بعد حرمان طويل منها أصابتني بالصدمة والذهول، أشجار الزيتون العامرة جفّت وذبُلت، لقد كان مشهدًا قاسيًا جداً"
· أحد المزارعين الذين أجبرهم الجيش على قطع أشجارهم بعد حرمانهم من الوصول إلى مزارعهم الواقعة حول معسكر الزهور في مدينة "الشيخ زويد" طيلة 4 سنوات.
ملخص
خلال شهر سبتمبر، أحصى فريق مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان وقوع 7 انتهاكات حقوقية، 4 وقائع منها تتعلق بتدمير وتقويض أعيان مدنية في قرى "المطلة" و"الوفاق" و"المراجدة" و"السكادرة" التابعات لـ"الشيخ زويد" و"رفح"، و3 حوادث متعلقة بعمليات قتل خارج نطاق قانون أو إطلاق نار عشوائي أفضى إلى الموت، منها واقعتين وثقت فيها المؤسسة مقتل طالبين أحدهما في مركز "بئر العبد" والآخر في "الشيخ زويد"، والواقعة الأخرى شملت فتاة تبلغ من العمر 21 عاماً قتُلت بأعيرة نارية صدرت من كمين أمني عند مدخل مدينة "القنطرة شرق"، الواقعة أقصى غرب سيناء.
يضم هذا العدد شهادات لـ17 شخصًا، منهم 6 لنازحين من قرى "الجناين" و"قاطية" و"إقطية" و"المريح" الذين أرغموا على النزوح قسرًا من مناطق سكناهم باتجاه أخرى أكثر أمنًا، وذلك على إثر الهجوم الذي شنّه تنظيم "داعش" في 21 يوليو المنصرم، والذي استهدف فيه معسكراً للجيش يقع في قرية "رابعة" ثم توسعت الاشتباكات لتطال القرى المحيطة والقريبة منه، وكانت مؤسسة سيناء قد نشرت في النشرة الحقوقية لشهر يوليو المنصرم تفاصيل الأحداث التي جرت وأجرت لقاءات مع عدد من المواطنين في حينها.
كما قابل فريق المؤسسة فلاحين يمتلكون أراضِ تقع في محيط معسكر الزهور في "الشيخ زويد"، مُنعوا من الوصول لمزارعهم لـ4 سنين، ثم أمروا خلال هذا الشهر بوجوب إزالة جميع أشجارها مما ضاعف من خسائرهم وأضرارهم الناتجة عن عدم القدرة على العناية بمزروعاتهم طيلة هذه السنوات.
انتهاكات شهر سبتمبر
1. انتهاكات السلطات وقوات إنفاذ القانون المصرية
أ. تدمير الأعيان المدنية
يُضفي القانون الإنساني الدولي على الأعيان المدنية حماية من الهجمات والاستهداف غير المبرر، ويؤكد على وجوب احترامها في كافة الأوقات، بما في ذلك فترات النزاع المسلح -الدولي وغير الدولي-، ووفقًا للمادة 52 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، فإن الأعيان المدنية يجب أن لا تكون محلاً للهجوم أو لأفعال انتقامية ورادعة. يشمل مصطلح "الأعيان المدنية" المناطق، والبلدات، والمدن، والقرى، والمناطق السكنية، والبيوت والأبنية، والمدارس، والمراكز والوحدات الصحية، وأماكن العبادة والآثار التاريخية، والمراكز الثقافية، والبيئة الطبيعية، والمحلات التجارية، والمساحات الزراعية، وما في حكمها.
اعتادت أطراف النزاع المسلح في شبه جزيرة سيناء إلى ارتكاب أعمال تستهدف إزالة وتدمير الأعيان المدنية أو تقويض استخدامها، بحجج عدة من بينها أعمال انتقامية وأخرى لغايات عسكرية دون تقديم بدائل مناسبة تعوّض المدنيين، وهو ما استمر خلال شهر سبتمبر.
في تاريخ 2020.09.01 سجلت مؤسسة سيناء إقدام الجيش على نسف عدد من البيوت الواقعة بالقرب من حدود "رفح" الغربية، في حملة استمرت عدة أيام، وقد أفاد شاهد عيان، يبلغ من العمر 48 عام، من سكان "الشيخ زويد"، في حديث له مع فريق "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، بأن هذه العملية استمرت لأكثر من أسبوع، حيث طالت البيوت الواقعة في قريتي "المطلة" و"الوفاق" في مركز "رفح"، مشيرًا إلى أن سحب الدخان والغبار الأبيض الناتجة عن التفجيرات ارتفعت عاليًا مما سمح للأهالي برؤية ما يجري من مسافة بعيدة نسبيًا.
ورجح شاهد العيان أن عدد المنازل التي يتم تفجيرها يوميًا في هذه المنطقة يصل لـ6 بيوت حسب أصوات الانفجارات القوية التي كانت تصدر بين حين وآخر خلال اليوم الواحد.
كما استطاع فريق الرصد الميداني للمؤسسة من الحصول على صور حصرية توثق لحظات قيام عناصر من الجيش بتفخيخ وتفجير منازل تعود لمدنيين مهجرين تقع منازلهم خارج حدود المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة.
هذه الحملة استمرت لعدة أيام، إذ أكد لنا اثنين من السكان المحليين من أهالي مدينة "الشيخ زويد"، في تاريخ 2020.09.08، أن أصوات التفجير ونسف البيوت لم تتوقف، وأن أعمدة الدخان الأبيض ارتفعت من عدة أماكن في قرى "الوفاق" و"المطلة" و"المراجدة" الواقعة في نطاق "رفح" و"الشيخ زويد"، ومن المعتاد في سيناء أن ارتفاع سحب الدخان والغبار الأبيض يعني أن عملية النسف طالت أعيانًا مدنية.
تُعد "المطلة" و"الوفاق" من القرى التي تحوّلت إلى مناطق غير مأهولة بالسكان بعد أن نزح الأهالي منها قسرًا، نتيجة لأعمال القصف العشوائي والعمليات العسكرية، وتجدر الملاحظة إلى أن هذه القرى تقع خارج نطاق المنطقة العازلة، المحددة بحوالي 5 كم في عمق الأراضي المصرية، وأن إزالة البيوت ونسفها بالكامل من قبل الجيش، يشير إلى وجود نية مسبقة بعدم السماح للسكان بالعودة إلى قراهم مرة أخرى، بما فيهم السكان الذين تقع منازلهم خارج حدود المنطقة العازلة مع قطاع غزة.
وفي واقعة أخرى حدثت بتاريخ 2020.09.03، أقدمت دورية عسكرية تابعة للجيش على تفجير مدرستي "السلام" الإعدادية و"الشاطئ" الابتدائية الواقعتين في قرية "السكادرة" في ساحل مركز "الشيخ زويد". أكد شاهد عيان من السكان المحليين لـ “مؤسسة سيناء" أن المدرستين جرى تفجيرهم وتدميرهم بالكامل، وذلك دون إخطار جهات التعليم المختصة، مشيرًا إلى أن أهالي القرية سبق أن تم تهجيرهم في فترة ماضية.
كما تطابقت إفادات اثنين آخرين من شهود العيان أن المنازل التي تقع شرق محطة تحلية المياه في القرية، بالإضافة إلى مسجد القرية أيضًا، تم تفجيرهم بالكامل خلال الأسابيع الماضية، ولم يتمكن فريق "مؤسسة سيناء" ولا الأهالي القريبين من المنطقة من حصر البيوت المدمرة.
أضاف سائق أجرة من مدينة "الشيخ زويد" في مقابلة مع فريق "مؤسسة سيناء"، أنه تمكن من الوصول لمحطة تحلية المياه وشاهد ركام البيوت المدمرة بالقرب منها.
تعود ملكية أغلبية المنازل المدمرة في قرية "السكادرة" إلى مواطنين من عائلتي "المراجدة" و"السكادرة"، وتُعد هذه القرية من المناطق الزراعية التي جرفت وأصبحت غير صالحة للزراعة بعد أن منع أهلها من الوصول إليها، وحرموا أيضًا من الحصول على أي تعويض منذ نزوحهم قسرًا من القرية في شهر رمضان الماضي باتجاه مناطق متفرقة في شمالي سيناء.
وفي تاريخ 2020.09.17، أمر الجيش المصري أصحاب المزارع المحيطة بمعسكر الزهور في مدينة "الشيخ زويد" باقتلاع أشجار مزارعهم لمساحات وصلت إلى حوالي 500 متر شرق وجنوب وشمال المعسكر، كما أفاد بذلك مزارعين تحدثا لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وذلك ضمن سياسة التضييق الممنهج التي تسلكها قوات الجيش تجاه المدنيين في شمالي سيناء.
روى مزارع لفريق المؤسسة، أنه توجه لمزرعته فور سماعه ببلاغ قوات الجيش بالسماح لأصحاب المزارع من الوصول إليها، وأنه اختار الذهاب إليها للاطمئنان عليها وللاستفادة من الأشجار الجافة من الزيتون والموالح، سواء ببيعها كحطب أو استخدامها في الطهي والتدفئة خلال فصل الشتاء القادم، حيث منع الأهالي منذ 4 سنوات من الوصول إلى مزارعهم نهائياً مما أفضى إلى جفاف معظم الأشجار وتلفها.
وقال المزارع، "تمكنت لأول مرة من الوصول للمزرعة بعد أن تركت بطاقتي الشخصية عند الكمين المشرف على معسكر الزهور كضمانة يطلبونها من كل المزارعين"، "رؤيتي لمزرعتي بعد حرمان طويل منها أصابتني بالصدمة والذهول، أشجار الزيتون العامرة جفّت وذبُلت، لقد كان مشهدًا قاسيًا جداً".
عند وصوله إلى مزرعته، باشر من فوره بمعية أبنائه في اقتلاع الأشجار الصالحة لأن تكون حطبًا أو صالحة للبيع، حتى تمكن من جمع حمولة سيارة ربع نقل على أن يعود لاحقاً لاستكمال قص الأشجار. إلا أنه في اليوم التالي لم يتمكن من دخول مزرعته مرة أخرى بعد أن مُنع من قبل عناصر ميليشيا مدنية تحمل السلاح كانت تسيطر على مزرعته وتقتلع ما تبقى من الأشجار، محذرين إياه من الاقتراب تحت تهديد السلاح، وأمروه بالمغادرة فوراً.
ذكر المزارع لفريقنا لاحقاً أن تلك العناصر المدنية كانت تتبع لما يسمى بالـ"بشمرجة" وهم من العناصر المدنية المتعاونة مع الجيش، وأن هذا "الموقف تكرر مع أصحاب المزارع الأخرى وذلك بغية استئثارهم بالحطب وبيعه لصالحهم وحرمان أصحاب المزارع من استحصال أي استفادة من بقايا مزارعهم".
هذه الشهادة أيدها مزارع آخر، إذ أوضح أن "البشمرجة"، وهم من الشبان المعروفين في "الشيخ زويد"، كانوا يقولون للمزارعين "لو مش عاجبكم روحوا اشتكوا في الزهور"، ويقصدون بذلك المعسكر الأمني، وأنهم سمحوا للأهالي باقتلاع أشجار " الأثل" عديمة القيمة فقط ومنعوهم من قطع الأشجار الأخرى للاستيلاء عليها.
ولم يحدد معسكر الجيش الأسباب التي دفعته لإصدار أوامر اقتلاع الأشجار بعد سنوات من منع المزارعين من دخول مزارعهم رغم أنها أشجار جافة، بعد استفسارنا من الأهالي عن السبب.
فيما فسر البعض أن قيادات عسكرية كانت تهدف الى إزالة كل ما يعيق الرؤية حول المعسكر الملاصق لـ"حي الزهور" السكني والذي تدار منه العمليات العسكرية في عموم مركز "الشيخ زويد"، والذي يخضع لحراسات مشددة للغاية وتمنع التحركات الأهلية حوله تماماً، فيما يخضع السكان إلى إجراءات أمنية مشددة عند دخولهم وخروجهم من الحي.
ب- القتل خارج نطاق القانون
خلال السنوات الأخيرة التي تلت انطلاق العمليات العسكرية في سيناء، بات القتل خارج نطاق القانون من قبل أطراف النزاع من الجرائم متكررة الوقوع، وعلى الرغم من هذا لم يتم تسجيل أية محاكمة بحق مرتكبيها، مما يعد مخالفة صارخة للصكوك العالمية والقوانين المحلية والدولية الملزمة لمصر، ومنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والذي أوجب في مادته الرابعة وجوب صون وضمان الحق بالحياة للمدنيين في جميع الأوقات، بما ذلك أثناء النزاعات، كما اعتبرته "اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان" ركيزة أساسية لكل الحقوق وغير قابل للتقييد.
في تاريخ 2020.09.04 توفي الطالب "علاء نصر سلمي" متأثرًا بإصابته جراء إطلاق رصاص على حافلة كانت تقله ومدنيين آخرين، معظمهم طلاب في المرحلة الثانوية، بتاريخ 2020.08.10 وفقًا لمصدر طبي تحدث لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
وفي التفاصيل التي وثقتها ونشرتها المؤسسة في تقرير انتهاكات الأسبوع الثاني من أغسطس، فقد تعرضت الحافلة الصغيرة إلى إطلاق نار من قبل نقطة عسكرية تابعة للجيش المصري، تقع بين قريتي "الهميصة" و"أبو جلود" في مركز "بئر العبد".
قابلت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان" أحد الطلاب ممن كانوا يستقلون الحافلة، والذي قال: أثناء مرورنا عند طريق فرعي، أطلق الرصاص علينا، لم نكن نعرف ما الذي يحدث، تناثرت الدماء في كل مكان، بعد توقف السيارة خرجنا منها مسرعين وتبيّنا أن مصدر الإطلاقات النارية كانت قوة من الجيش تقوم بعمليات أمنية جنوب قريتي "قاطية" و"المريح" التي يسيطر عليهما حاليًا عناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء".
كما أضاف شاهد عيان في مقابلة سابقة مع فريق المؤسسة: لم يحصل المصابون على الرعاية الطبية العاجلة بسبب وجود عمليات قصف بري وتدخل جوي كثيف شهدتها المنطقة، وتأخر نقل المصابين إلى نقطة الإسعاف لمدة ساعة، لينقلوا بعد ذلك إلى نقطة إسعاف تقع في قرية "6 أكتوبر". في حينها، كشفت مصادر طبية، أن سيارة الإسعاف نقلت 4 طلاب، أحدهم توفي، و3 آخرين بإصابات متفاوتة.
وفي واقعة أخرى حدثت بتاريخ 2020.09.6، قتلت فتاة تبلغ من العمر نحو 21 عامًا، متأثرة بإصابتها بطلقات نارية صدرت من كمين أمني تجاه سيارة كانت تقلّها وعدد من أفراد أسرتها ومرت من خلال النقطة العسكرية المتمركزة عند مدخل مدينة "القنطرة شرق"، الواقعة أقصى غرب شبه جزيرة سيناء.
قابلت مؤسسة سيناء اثنين من شهود العيان رووا للفريق تفاصيل الواقعة، إذ أوضحا أن الفتاة "جهاد عوض عبدالكريم أحمد"، من مواليد عام 1999، وتدرس في كلية التربية بمدينة "العريش"، كانت برفقة والدتها في سيارة نقل صغيرة مرت عبر كمين "المثلث"، الذي يشترك فيه عناصر من الجيش والشرطة، وأن السائق حاول المرور من الحاجز، مخالفًا في ذلك تعليمات أمنية من الجنود صدرت له بالتوقف، إلا أن السائق لم ينتبه الى طلب الجنود له بالتوقف، مما دفعهم إلى إطلاق الرصاص تجاه الركاب، دون أن تشكل السيارة أية تهديد ولم يصدر من ركابها مؤشرات خطيرة يمكن فيها تبرير استخدام القوة النارية المميتة في التعامل مع الواقعة.
أدى سيل الأعيرة النارية التي أطلقتها القوات المتمركزة في الكمين إلى مقتل الفتاة. أوضحت مصادر طبية أن "جهاد" توفيت على إثر إصابتها بعيار ناري في الرقبة أدى إلى نزيف حاد، ونقلت جثتها إلى مستشفى "القنطرة" العام، ثم دفنت بحزن شديد في مقابر الأسرة بمحافظة "الشرقية"، وأقيم لها عزائين منفصلين، الأول في محافظة "الشرقية"، والآخر في مدينة "العريش".
ووفقًا لعدد من الأهالي، فإن الفتاة خُطبت قبل 10 أيام من الواقعة، وأنها كانت عائدة مع والدتها من "القنطرة" بعد شرائها مستلزمات زفافها. والفتاة من أسرة عاملة، ووالدتها تعمل في جامعة "سيناء"، أما والدها فيعمل في ديوان عام محافظة "شمال سيناء".
ج- إطلاقات النار العشوائية المفضية إلى الموت
تحظر التشريعات والأعراف الدولية الناظمة لسلوك أطراف النزاع استخدام الأسلحة ذات الاستهداف العشوائي التي من شأنها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين. كما حظر الاستهداف المتعمد للمدنيين في الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وإن انتهاك هذا الفرض يُعرض الجهات المسؤولة للمقاضاة حسب القانون العرفي الدولي. وعلى أطراف النزاع واجب التمييز في جميع الأوقات بين الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال العدائية والسكان المدنيين. وكانت محكمة العدل الدولية قد أقرت في رأيها الاستشاري في 8 يوليو 1996 بأن "مبدأ التمييز" تجاه الأهداف هو مبدأ "قطعي" للقانون الدولي العرفي.
في تاريخ 2020.09.15 أقدم كمين عسكري للجيش المصري، يتمركز في قرية "العكور" جنوب مدينة "الشيخ زويد"، على إطلاق نار عشوائي أسفر عن مقتل شاب يبلغ من العمر 16 عامًا.
قال أحد شهود العيان من أهالي القرية لمؤسسة "سيناء لحقوق الإنسان" إن "نضال مسلم حسن البعبر"، من عائلة "العكور"، أصيب برصاص عشوائي أدى إلى مصرعه، ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى "الشيخ زويد" العام، ثم جرى تحويله إلى مستشفى "العريش" المركزي، ثم إلى محافظة "بور سعيد" لإجراء معاينة الطبيب الشرعي وتحديد أسباب الوفاة تمهيدًا لاستخراج تصريح الدفن، وأكد الشاهد أن وقت حدوث الواقعة لم تكن تجري أي اشتباكات بين الجيش ومسلحين، وأن أجواء القرية كانت هادئة تماماً، ولم يلاحظ أي تهديدات وتحركات لعناصر مسلحة تابعة لداعش خلال اليوم.
ثلاثة آخرين من السكان المحليين كشفوا لنا أن القرية المأهولة جزئيًا تتمركز فيها نقطة عسكرية تابعة للجيش، تراقب محيط المنطقة من كافة الاتجاهات، وتقوم بالاطلاع ومراجعة بيانات المواطنين وما يحملونه عند تسوقهم بشكل يومي، وأن معظم سكان القرية نزحوا منها قسرًا إلى مناطق مختلفة نتيجة للظروف الأمنية المتوترة والتضييقات وعدم قدرتهم على ممارسة أعمالهم وحراثة مزارعهم.
"نضال"، الشاب القتيل، هو الابن الوحيد لوالديه، وكان من المقرر أن يلتحق بـ"المعهد الفني الصحي" في محافظة "الإسماعيلية" بعد نجاحه هذا العام من الثانوية العامة، لذا فقد شكّل مقتله حالة من الصدمة لدى ذويه الذين قرروا أن يتم دفن جثمانه في الإسماعيلية حيث يقيمون بعد نزوحهم سابقًا من القرية.
2. انتهاكات تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش
ما يزال وجود تنظيم داعش يشكل الضرر الأكبر على السكان المحليين في شمال سيناء، إذ يرتكب جرائم مروعة في حق المدنيين دون رادع لقانون محلي أو دولي، أو انحياز لمبدأ أخلاقي أو إنساني. إضافة إلى أنه يعتبر حجة تتذرع بها السلطات المصرية في ارتكاب انتهاكات حقوقية.
في 21 يوليو الماضي، أقدم تنظيم داعش على استهداف معسكر للجيش يقع في قرية "رابعة" التابعة لمركز "بئر العبد"، ثم سرعان ما توسع نطاق الاشتباكات ليشمل قرى "الجناين" و"قاطية" و"إقطية" و"المريح"، لينتج عن ذلك نزوح معظم السكان باتجاه مناطق أخرى أكثر أمنًا، وهو ما وثقته المؤسسة في تقرير شهر يوليو المنصرم، سيطر التنظيم على هذه القرى لنحو 70 يومًا، وهو ما تسبب بأزمة إنسانية بالغة الصعوبة للمواطنين الذين نزحوا قسرًا تاركين خلفهم بيوتهم وأعمالهم وباتوا يواجهون شظف العيش وسوء الحياة اليومية، ووفقًا لبعض من أعيان المنطقة، فإن عدد العوائل النازحة يقدر بأكثر من 5 آلاف عائلة.
أجرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لقاءات مع 6 من المواطنين النازحين من القرى المشار إليها أعلاه في تاريخ 2020.09.27، وفيما يلي ما جاء على لسانهم:
روى رجل في منتصف الأربعينيات من عمره، نزح من قرية "الجناين" التابعة لـ"بئر العبد"، أنه منذ أكثر من 70 يوماً لم يصل إلى منزله، ويترقب الأنباء عن القرى المهجورة من العابرين، ويخشى من نفاذ مدخراته، التي يدفع منها تكلفة إيجار البيت الذي يأويه مع خمس من أفراد عائلته، إضافة إلى مصاريف حاجاتهم اليومية الأساسية من مأكل ومشرب.
خلال فترة نزوحه، حاول زيارة القرية لمرة واحدة، بعد تداول أنباء بين الأهالي بالسماح لهم بدخول القرية إلا أنه منع من الدخول مع مجموعة من المواطنين، تحت تهديد السلاح وإطلاق عيارات نارية في الهواء من قبل قوات الجيش التي تسيطر على القرية.
أحد المزارعين النازحين من قرية "قاطية" إلى قرية "رمانة"، كشف لمؤسسة سيناء حجم خسارته جراء هذه الأحداث، حيث أوضح أنه كان يمتلك ما يقدر بحوالي 20 نخلة مثمرة حان موسم قطافها، يقدر سعر كيلو التمر المستحصل منها بنحو 10 جنيهات، وأن مصيرها غير معلوم بعد أن تركها خلفه، متوقعًا أنه سيخسرها جميعًا في حالة استمرار منعه من الوصول إليها مما يعني أن الموسم سينقضي دون أن يستفيد أو يدخر ما كان يكفيه للإنفاق على أسرته طوال عام.
مزارع آخر أوضح لمؤسسة سيناء كيف أن معاناته هو وأسرته تضاعفت بعد نزوحه المزدوج، عندما نزح أولاُ من "الشيخ زويد"، ليستقر في قرية "إقطية" التي استأجر فيها منزلاً متواضعاً بعد عناء كبير، لينزح مجدداً منها إلى محطة جديدة ومعاناة أكبر في "عريشة" من سعف النخيل تستر أسرته قرب عرائش اخرى، يقطنها في الغالب نازحون آخرون على أطراف قرية "جلبانة" التابعة إداريًا لمحافظة الاسماعيلية. وهو يعيش فيها إلى جانب 4 أطفاله، ويعمل في إحدى المزارع القريبة كفلاح بأجر يومي لا يكاد يكفيهم نفقات الطعام، هذا الوضع المعيشي الصعب يقف حائلًا من إلتحاق2 من أبنائه بالدراسة في المرحلة الإبتدائية رغم بعد بلوغهم السن القانوني لذلك، فهو لا يستطيع أن يوفر لهم المستلزمات الدراسية لهم، وختم كلامه بالقول: "لنا الله، نحن متروكين لا نخطر على بال أحد".
يضيف نازحان آخران يسكنان متجاورين في قرية "رمانة" التابعة لمركز "بئر العبد"، أحدهما نازح من "رفح" والآخر من " قاطية"، إن فارق المسافة بين المنطقتين يبلغ أكثر من 100كم، إلا أن المعاناة والأسباب التي أدت إليها واحدة، حيث نزح الأول من "رفح" بداية ثم امتدت العمليات العسكرية والنزاع المسلح بين قوات الجيش وعناصر تنظيم داعش المتطرف حتى وصلت لقرية "قاطية" التابعة لمركز "بئر العبد"، حيث كان تلك النزاعات كفيلة بتوحيد المعاناة على أوسع نطاق.
يقول النازح من "رفح"، وهو في الستين من عمره: "تركنا خلفنا آلاف الفدادين المزروعة بثمارها، ودمرت بيوتنا، ونتسول التعويضات، ولم نرغب في أن نرى تلك المأساة تتكرر لأحد، إلا أمسينا الآن في الهم شخص واحد".
فيما يضيف النازح الآخر من قرية "قاطية": "هناك من يتخصص في تنغيص حياتنا وكأننا في سيناء لابد أن نعاقب ونحاسب على فواتير للغير ومطلوب منا أن نصمت فقط، حتى صوت ألمنا ممنوع نشره وإذاعته، بينما تحتل القضايا التافهة البرامج الإعلامية ليل نهار".
سيدة نازحة من قرية "المريح"، تبلغ من العمر 55 عاماً، استقرت في "عريشة" مع أسرتها في أطراف قرية "رمانة"، أفصحت لفريق مؤسسة سيناء عن شوقها إلى الطيور التي كانت تربيها في منزلها، وأنها تنتظر الرجوع إليهم بفارغ الصبر، لكنها تقول بحزن أن من المرجح عدم بقائهم على قيد الحياة حتى الآن، قالت للمؤسسة: "عند عودتي سأستأنف عملي بتربية الطيور في المنزل، فهي تمثل مصدر دخل لي، فزوجي توفي تاركًا لي بنتين وولد يعملون في المزارع بالأجرة"، وأكدت أنها لم تأخذ أي تعويضات أو مساعدات حكومية سواء مواد غذائية أو مالية.
من جانب آخر، فقد ورد إلى إدارة الزراعة بقرية "رمانة"، إخطار رسمي بالتنبيه على المزارعين النازحين والمتضررين من الأعمال العسكرية، بالتوجه الى الوحدات الزراعية القريبة من محال سكناهم، من أجل تقديم طلب بالتعويض مع إثبات الأضرار الزراعية التي وقعت عليهم كلياً أو جزئياً مشمولة بذلك مزارع الدواجن والمشاريع الزراعية.
التوصيات:
1- للسلطات المصرية:
أ. إجراء تحقيقات شفافة في الوقائع التي كان فيها عناصر من الجيش والقوات الأمنية أطرافًا فيها، وأدت إلى وقوع ضحايا من المدنيين وأضرار في الأعيان المدنية.
ب. فك القيود التمييزية وغير القانونية على الأنشطة التجارية وأعمال الصيد والتنقل في سيناء، وتقديم تعويضات عاجلة وعادلة للسكان الذين تضرروا منها.
ج. الامتثال لمبادئ القانون الإنساني الدولي من قبل أفراد الجيش والقوات الأمنية هو أساس مهم يضمن المهنية في أداء أعمالهم، ينبغي تعليم وتدريب الضباط والجنود العسكريين على هذه القواعد من خلال المناهج في الأكاديمية العسكرية والدورات التدريبية الأخرى.
د. دعوة وقبول طلبات الزيارات الخاصة بآليات الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة إلى سيناء، والسماح لها بالوصول دون عوائق، وضمان عدم الانتقام من الأفراد الذين يتعاونون معها.
هـ. إجراء تعديلات على القوانين والأنظمة التي تتيح سلطات واسعة غير مقيّدة للقوات الأمنية والجيش، ومنها قانون الطوارئ وقانون مكافحة الارهاب، ووضع آليات تضمن الإشراف القضائي وإجراء الرقابة القانونية على أداء سلطات إنفاذ القانون.
2- إلى جميع أطراف النزاع، بمن فيهم مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية في سيناء":
أ.اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين، وفقًا للقانون الإنساني الدولي، أثناء أي حملات عسكرية برية وجوية.
ب. في المناطق التي يصبح فيها طرف غير حكومي في النزاع بمثابة القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع، ينبغي اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية حقوق جميع السكان دون تمييز، وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين.