img
قتلوا بدم بارد

مقدمة وعرفان 

"منذ أن بدأنا توثيق جرائم القتل خارج نطاق القضاء في سيناء، وجدت نفسي مرارًا مشلولًا أمام لحظات من الصدمة، مبهوتًا من هول ما رواه أهالي الضحايا. وفي تلك اللحظات ظللت أسأل نفسي: إذا كانت الحكومة المصرية قد فعلت هذا بجوليو ريجيني، فما الذي يمكن أن يمنعها من أن تفعله مئات المرات مع أبناء البدو، أولئك الذين لن يتعاطف معهم أحد؟ أنا بدويٌّ بنفسي، من قبائل سيناء، وأعرف تمامًا ما يعنيه ذلك."

— أحمد سالم، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان

هذه النظرة المتجذّرة في نزع الإنسانية عن سكان سيناء - خاصة في أوقات الاضطرابات الأمنية - ليست مجرّد تكهّن، بل عُبّر عنها صراحة على لسان مسؤول أمني مصري رفيع، كما ورد في برقية دبلوماسية أميركية مسرّبة عام 2005 (رقم: 05CAIRO1978_a). قال المسؤول، خلال اجتماع رسمي مع دبلوماسيين أميركيين في سيناء عقب تفجيرات طابا ورأس شيطان 2004:

"البدوي الجيد الوحيد في سيناء هو البدوي الميت."

تكشف هذه الوثيقة المصنفة "سرّي" والصادرة عن السفارة الأميركية في القاهرة إلى وزارة الخارجية الأميركية أكثر من مجرد رأي شخصي. فهي تعكس عقلية سياسية – أمنية سائدة تبرّر الاعتقال التعسفي والقتل خارج نطاق القانون بحق مجتمع أصيل مهمّش بأكمله. هذا الانحياز المؤسسي ضد أهالي سيناء لم ينبع فقط من ذريعة "مكافحة الإرهاب"، بل من اعتبارهم "آخرين"، وتهديدًا داخليًا ينبغي إخضاعه، لا مواطنين جديرين بالحماية.

وفي مذكّراتها "امرأة العظام" (2004)، تسرد عالمة الأنثروبولوجيا الجنائية كليا كوف، التي شاركت في أعمال نبش المقابر الجماعية في رواندا وكوسوفو والبوسنة، ما كشفته رفات الضحايا لها. تقول:

"لماذا تقرّر تلك الحكومات قتل شعوبها؟ أعتقد أن الجواب هو المصلحة الذاتية. أشخاص بعينهم في حكومة ذات أيديولوجيا واحدة... دعموا مؤسسات وطنية تُبقي السلطة في أيديهم."

من خلال هذا التقرير، تسعى مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إلى الإصغاء لأصوات الضحايا، سواء الأحياء منهم أو أولئك الذين لم يتبقّ منهم سوى رفات، لاستعادة رواياتهم وطرح الأسئلة الجوهرية: من قُتل؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومن المسؤول؟ نحن لا نكتب من أجل الماضي فحسب، بل لضمان أن الجرائم التي ارتُكبت في الظلام ضد أجساد بلا أسماء لن تتكرر، وبالأمل أن يتحقق يومًا ما الإنصاف والمحاسبة.

تتقدم مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان بخالص الامتنان والعرفان للأهالي الذين أدلوا بشهاداتهم ووضعوا ثقتهم في المؤسسة، رغم المخاطر والآلام. كما تعبر المؤسسة عن امتنانها العميق للزملاء في فريق العمل الذين أنجزوا هذا التقرير، إذ أسهم كل واحد منهم بجزء أساسي لم يكن التقرير ليكتمل بدونه، ولا لتلك المقبرة الجماعية أن تُعرف لولا شجاعتهم وإصرارهم على كشف الحقيقة.

تخص المؤسسة بالشكر كذلك فريق Forensic Architecture على شراكتهم ودعمهم الفني في تحليل المقابر الجماعية وصور الأقمار الصناعية، وهو ما مثّل ركيزة أساسية في هذا التقرير.

كما تتوجه المؤسسة بالتحية للشهود المجهولين الذين خاطروا بحياتهم لإيصال الحقيقة، وإلى جميع من ساهموا بصمت في كشف ما جرى.


 



الكلمات المفتاحية